اللهِ يَسِيراً) أى : وكان ذلك التضعيف للعذاب لهن ، يسيرا وهينا على الله ، لأنه ـ سبحانه ـ لا يصعب عليه شيء.
هذا هو الجزاء في حالة ارتكابهن ـ على سبيل الفرض ـ لما نهى الله ـ تعالى ـ عنه ، أما في حالة طاعتهن ، فقد بين ـ سبحانه ـ جزاءهن بقوله : (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ ، وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً).
والقنوت : ملازمة الطاعة لله ـ تعالى ـ ، والخضوع والخشوع لذاته.
أى : ومن يقنت منكن ـ يا نساء النبي ـ لله ـ تعالى ـ ، ويلازم طاعته ، ويحرص على مرضاة رسوله صلىاللهعليهوسلم ، وتعمل عملا صالحا.
من يفعل ذلك منكن ، نؤتها أجرها الذي تستحقه مضاعفا ، فضلا منا وكرما ، (وَأَعْتَدْنا لَها) أى : وهيأنا لها زيادة على ذلك (رِزْقاً كَرِيماً) لا يعلم مقداره إلا الله ـ تعالى ـ.
وهكذا نرى أن الله ـ تعالى ـ قد ميز أمهات المؤمنين ، فجعل حسنتهن كحسنتين لغيرهن ، كما جعل سيئتهن بمقدار سيئتين لغيرهن ـ أيضا ـ وذلك لعظم مكانتهن ، ومشاهدتهن من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما لا يشاهده غيرهن ، من سلوك كريم ، وتوجيه حكيم.
ثم وجه ـ سبحانه ـ إليهن نداء ثانيا فقال : (يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَ).
أى : يا نساء النبي ، لقد أعطاكن الله ـ تعالى ـ من الفضل ومن سمو المنزلة ما لم يعط غيركن ، فأنتن في مكان القدوة لسائر النساء ، وهذا الفضل كائن لكن إن اتقيتن الله ـ تعالى ـ وصنتن أنفسكن عن كل ما نهاكن ـ سبحانه ـ عنه.
قال صاحب الكشاف : أحد في الأصل بمعنى وحد ، وهو الواحد ، ثم وضع في النفي العام مستويا فيه المذكر والمؤنث والواحد وما وراءه. ومعنى قوله (لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ) : لستن كجماعة واحدة من جماعات النساء. أى : إذا استقصيت أمة النساء جماعة جماعة ، لم توجد منهن جماعة واحدة تساويكن في الفضل والسابقة (١).
وجواب الشرط في قوله (إِنِ اتَّقَيْتُنَ) محذوف لدلالة ما قبله عليه. أى : إن اتقيتن فلستن كأحد من النساء.
قال الآلوسى : قوله (إِنِ اتَّقَيْتُنَ) شرط لنفى المثلية وفضلهن على النساء ، وجوابه
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٥٣٦.