محذوف دل عليه المذكور .. والمفعول محذوف. أى : إن اتقيتن مخالفة حكم الله ـ تعالى ـ ورضا رسوله صلىاللهعليهوسلم والمراد إن دمتن على اتقاء ذلك. والمراد به التهييج بجعل طلب الدنيا والميل إلى ما تميل إليه النساء لبعده من مقامهن ، بمنزلة الخروج من التقوى (١).
فالمقصود بالجملة الكريمة بيان أن ما وصلن إليه من منزلة كريمة ، هو بفضل تقواهن وخشيتهن لله ـ تعالى ـ وليس بفضل شيء آخر.
ثم نهاهن ـ سبحانه ـ عن النطق بالكلام الذي يطمع فيهن من في قلبه نفاق وفجور فقال : (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ).
أى : فلا ترققن الكلام ، ولا تنطقن به بطريقة لينة متكسرة تثير شهوة الرجال ، وتجعل مريض القلب يطمع في النطق بالسوء معكن فإن من محاسن خصال المرأة أن تنزه خطابها عن ذلك ، لغير زوجها من الرجال.
وهكذا يحذر الله ـ تعالى ـ أمهات المؤمنين ـ وهن الطاهرات المطهرات ـ عن الخضوع بالقول ، حتى يكون في ذلك عبرة وعظة لغيرهن في كل زمان ومكان فإن مخاطبة المرأة ـ لغير زوجها من الرجال ـ بطريقة لينة مثيرة للشهوات والغرائز ، تؤدى إلى فساد كبير ، وتطمع من لا خلاق لهم فيها.
ثم أرشدهن ـ سبحانه ـ إلى القول الذي يرضيه فقال : (وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً).
أى : اتركن الكلام بطريقة تطمع الذي في قلبه مرض فيكن ، وقلن قولا حسنا محمودا ، وانطقن به بطريقة طبيعية ، بعيدة عن كل ريبة أو انحراف عن الحق والخلق الكريم.
ثم أمرهن ـ سبحانه ـ بعد ذلك بالاستقرار في بيوتهن ، وعدم الخروج منها إلا لحاجة شرعية فقال (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَ).
قال القرطبي ما ملخصه : قوله (وَقَرْنَ) قرأه الجمهور ـ بكسر القاف ـ من القرار تقول : قررت بالمكان ـ بفتح الراء ـ أقر ـ بكسر القاف ـ إذا نزلت فيه ـ والأصل : اقررن ـ بكسر الراء ـ فحذفت الراء الأولى تخفيفا .. ونقلوا حركاتها إلى القاف ، واستغنى عن ألف الوصل لتحرك القاف .. فصارت الكلمة (قَرْنَ) ـ بكسر القاف ـ.
وقرأ عاصم ونافع وقرن ـ بفتح القاف ـ من قررت في المكان ـ بكسر الراء ـ إذا أقمت فيه .. والأصل اقررن ـ بفتح الراء ـ فحذفت الراء الأولى لثقل التضعيف ،
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٢ ص ٥.