وألقيت حركتها على القاف .. فتقول : (قَرْنَ) ـ بالفتح للقاف ـ (١).
والمعنى : الزمن يا نساء النبي صلىاللهعليهوسلم بيوتكن ، ولا تخرجن منها إلا لحاجة مشروعة ، ومثلهن في ذلك جميع النساء المسلمات ، لأن الخطاب لهن في مثل هذه الأمور ، هو خطاب لغيرهن من النساء المؤمنات من باب اولى ، وإنما خاطب ـ سبحانه ـ أمهات المؤمنين على سبيل التشريف ، واقتداء غيرهن بهن.
قال بعض العلماء : والحكمة في هذا الأمر : أن ينصرفن إلى رعاية شئون بيوتهن ، وتوفير وسائل الحياة المنزلية التي هي من خصائصهن ، ولا يحسنها الرجال ، وإلى تربية الأولاد في عهد الطفولة وهي من شأنهن. وقد جرت السنة الإلهية بأن أمر الزوجين قسمة بينهما ، فللرجال أعمال من خصائصهم لا يحسنها النساء ، وللنساء أعمال من خصائصهن لا يحسنها الرجال ، فإذا تعدى أحد الفريقين عمله ، اختل النظام في البيت والمعيشة (٢).
وقال صاحب الظلال ما ملخصه : والبيت هو مثابة المرأة التي تجد فيها نفسها على حقيقتها كما أرادها الله ـ تعالى ـ ولكي يهيئ الإسلام للبيت جوه السليم ، ويهيئ للفراخ الناشئة فيه رعايتها ، أوجب على الرجل النفقة ، وجعلها فريضة ، كي يتاح للأم من الجهد ومن الوقت ومن هدوء البال ، ما تشرف به على هذه الفراخ الزغب ، وما تهيء به للمثابة نظامها وعطرها وبشاشتها.
فالأم المكدودة بالعمل وبمقتضياته وبمواعيده .. لا يمكن أن تهيء للبيت جوه وعطره ، ولا يمكن أن تهيء للطفولة النابتة فيه حقها ورعايتها.
إن خروج المرأة للعمل كارثة على البيت قد تبيحها الضرورة ، أما أن يتطوع بها الناس وهم قادرون على اجتنابها ، فتلك هي اللعنة التي تصيب الأرواح والضمائر والعقول ، في عصور الانتكاس والشرور والضلال (٣).
وهذه الجملة الكريمة ليس المقصود بها ملازمة البيوت فلا يبرحنها إطلاقا وإنما المقصود بها أن يكون البيت هو الأصل في حياتهن ، ولا يخرجن إلا لحاجة مشروعة ، كأداء الصلاة في المسجد ، وكأداء فريضة الحج وكزيارة الوالدين والأقارب ، وكقضاء مصالحهن التي لا تقضى إلا بهن .. بشرط أن يكون خروجهن مصحوبا بالتستر والاحتشام وعدم التبذل.
ولذا قال ـ سبحانه ـ بعد هذا الأمر ، (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى).
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٤ ص ١٧٨.
(٢) صفوة البيان في تفسير القرآن ج ٢ ص ١٨٣. لفضيلة الشيخ حسنين محمد مخلوف.
(٣) في ظلال القرآن ج ٢٢ ص ٨٣.