قد أوحى إلى نبيه صلىاللهعليهوسلم أن زيدا سيطلق زينب ، وأنه صلىاللهعليهوسلم سيتزوجها ، وكل ما ورد في ذلك هي تلك الرواية التي سبق أن ذكرناها عن على بن الحسين ـ رضى الله عنهما ـ.
قال صاحب الظلال : وهذا الذي أخفاه النبي صلىاللهعليهوسلم في نفسه ، وهو يعلم أن الله مبديه ، هو ما ألهمه الله أن سيفعله. ولم يكن أمرا صريحا من الله. وإلا ما تردد فيه ولا أخره ولا حاول تأجيله. ولجهر به في حينه مهما كانت العواقب التي يتوقعها من إعلانه. ولكنه صلىاللهعليهوسلم كان أمام إلهام يجده في نفسه ، ويتوجس في الوقت ذاته من مواجهته ومواجهة الناس به حتى أذن الله بكونه. فطلق زيد زوجه في النهاية. وهو لا يفكر لا هو ولا زينب فيما سيكون بعد .. (١).
وهذه الأقوال جميعها تهدم هدما تاما كل الروايات التي رويت عن هذا الحادث ، والتي تشبث بها أعداء الإسلام في كل زمان ومكان ، وصاغوا حولها الأساطير والمفتريات.
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) معطوف على ما قبله ، ومؤكد لمضمونه.
أى : تقول له ما قلت ، وتخفى في نفسك ما أظهره الله ، وتخشى أن تواجه الناس بما ألهمك الله ـ تعالى ـ به من أمر زيد وزينب ، مع أن الله ـ تعالى ـ أحق بالخشية من كل ما سواه.
فالجملة الكريمة عتاب رقيق من الله ـ تعالى ـ لنبيه صلىاللهعليهوسلم وإرشاد له إلى أفضل الطرق ، وأحكم السبل ، لمجابهة أمثال هذه الأمور ، وحلها حلا سليما.
ثم بين ـ سبحانه ـ الحكمة من زواجه صلىاللهعليهوسلم بزينب فقال : (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها ، لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً ، وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً).
والوطر : الحاجة. وقضاء الوطر : بلوغ منتهى ما تريده النفس من الشيء ، يقال : قضى فلان وطره من هذا الشيء : إذا أخذ أقصى حاجته منه.
والمراد هنا : أن زيدا قضى حاجته من زينب ، ولم يبق عنده أدنى رغبة فيها ، بل صارت رغبته العظمى في مفارقتها.
أى : فلما قضى زيد حاجته من زينب ، وطلقها ، وانقضت عدتها ، زوجناكها ، أى : جعلناها زوجة لك ، (لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ) أو ضيق أو مشقة (فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ) أى : في الزواج من أزواج أدعيائهم ، الذين تبنوهم (إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً)
__________________
(١) في ظلال القرآن ج ٢٢ ص ٥٩٥.