أنهم ختموا به ، فلا نبي بعده ، فهو كالخاتم والطابع لهم. ختم الله ـ تعالى ـ به الرسل والأنبياء ، فلا رسول ولا نبي بعده إلى قيام الساعة.
قال القرطبي : قرأ الجمهور (وَخاتَمَ) ـ بكسر التاء ـ بمعنى أنه ختمهم ، أى : جاء آخرهم.
وقرأ عاصم (وَخاتَمَ) ـ بفتح التاء ـ بمعنى أنهم ختموا به ، فهو كالخاتم والطابع لهم.
وقيل : الخاتم والخاتم ـ بالفتح والكسر ـ لغتان ، مثل طابع وطابع ..
وقد روى الإمام مسلم عن جابر أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى دارا فأتمها وأكملها ، إلا موضع لبنة ، فجعل الناس يدخلونها ويتعجبون منها ويقولون : ما أجمل هذه الدار ، هلا وضعت هذه اللبنة؟ قال صلىاللهعليهوسلم فأنا موضع اللبنة جئت فختمت الأنبياء» (١).
وقد ذكر الإمام ابن كثير عددا من الأحاديث في هذا المعنى منها ما رواه الإمام مسلم عن أبى هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «فضلت على الأنبياء بست : أعطيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب ، وأحلت لي الغنائم ، وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا ، وأرسلت إلى الخلق كافة ، وختم بي النبيون».
ثم قال ـ رحمهالله ـ بعد أن ذكر هذا الحديث وغيره : والأحاديث في هذا كثيرة ، فمن رحمة الله ـ تعالى ـ بالعباد إرسال محمد صلىاللهعليهوسلم إليهم ، ثم من تشريفه له ختم الأنبياء والمرسلين به ، وإكمال الدين الحنيف له ، وقد أخبر ـ تعالى ـ في كتابه ، وأخبر رسوله في السنة المتواترة عنه ، أنه لا نبي بعده ، ليعلموا أن كل من ادعى هذا المقام بعده فهو كذاب أفاك دجال ضال مضل ، ولو تخرق وشعبذ ، وأتى بأنواع السحر والطلاسم .. (٢).
ثم ختم ـ سبحانه ـ الآية الكريمة بقوله : (وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً).
أى : وكان ـ عزوجل ـ وما زال ، هو العليم علما تاما بأحوال خلقه ، وبما ينفعهم ويصلحهم ، ولذا فقد شرع لكم ما أنتم في حاجة إليه من تشريعات ، واختار رسالة نبيكم محمد صلىاللهعليهوسلم لتكون خاتمة الرسالات ، فعليكم أن تقابلوا ذلك بالشكر والطاعة ، ليزيدكم ـ سبحانه ـ من فضله وإحسانه.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٤ ص ١٩٦.
(٢) راجع تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٤٢٤.