ـ تعالى ـ (فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ) بيان للون آخر من ألوان الآداب الحكيمة التي شرعها الإسلام في تناول الطعام عند الغير.
أى : إذا دعيتم لحضور طعام في بيت النبي صلىاللهعليهوسلم فادخلوا ، فإذا ما انتهيتم من طعامكم عنده ، فتفرقوا ولا تمكثوا في البيت مستأنسين لحديث بعضكم مع بعض ، أو لحديثكم مع أهل البيت.
فقوله (مُسْتَأْنِسِينَ) مأخوذ من الأنس بمعنى السرور والارتياح للشيء. تقول : أنست ، لحديث فلان ، إذا سررت له ، وفرحت به.
وأطلق ـ سبحانه ـ نفى الاستئناس للحديث ، من غير بيان صاحب الحديث ، للإشعار بأن المكث بعد الطعام غير مرغوب فيه على الإطلاق ، مادام ليس هناك من حاجة إلى هذا المكث. وهذا أدب عام لجميع المسلمين.
واسم الإشارة في قوله : (إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ) يعود إلى الانتظار والاستئناس للحديث ، والدخول بغير إذن. والجملة بمثابة التعليل لما قبلها.
أى : إن ذلكم المذكور كان يؤذى النبي صلىاللهعليهوسلم ويدخل الحزن على قلبه ، لأنه يتنافى مع الأدب الإسلامى الحكيم ، ولكنه صلىاللهعليهوسلم كان يستحيى أن يصرح لكم بذلك ، لسمو خلقه ، وكمال أدبه ، كما أنه صلىاللهعليهوسلم كان يستحيى أن يقول لكم كلاما تدركون منه أنه يريد انصرافكم.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِ) أى : والله ـ تعالى ـ لا يستحيى من إظهار الحق ومن بيانه ، بل من شأنه ـ سبحانه ـ أن يقول الحق ، ولا يسكت عن ذلك.
وإذا كان الرسول صلىاللهعليهوسلم قد منعه حياؤه من أن يقول قولا تفهمون منه ضجره من بقائكم في بيته بعد تناول طعامكم عنده .. فإن الله ـ تعالى ـ وهو خالقكم لا يمتنع عن بيان الحق في هذه الأمور وفي غيرها ، حتى تتأدبوا بأدب دينه القويم. ثم ذكر ـ سبحانه ـ بعض الآداب التي يجب عليهم أن يلتزموها مع نساء نبيهم صلىاللهعليهوسلم فقال : (وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ، ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) ..
أى : وإذا طلبتم ـ أيها المؤمنون ـ من أزواج النبي صلىاللهعليهوسلم شيئا يتمتع به سواء أكان هذا الشيء حسيا كالطعام أم معنويا كمعرفة بعض الأحكام الشرعية .. إذا سألتموهن شيئا من ذلك فليكن سؤالكم لهن من وراء حجاب ساتر بينكم وبينهن ..
لأن سؤالكم إياهن بهذه الطريقة ، أطهر لقلوبكم وقلوبهن ، وأبعد عن الوقوع في