وقد سار بعض المفسرين ، على أن هذه الأوصاف الثلاثة ، كل وصف منها لطائفة معينة ، وسار آخرون على أن هذه الأوصاف لطائفة واحدة هي طائفة المنافقين ، وأن العطف لتغاير الصفات مع اتحاد الذات.
قال القرطبي : قوله : (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ، وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ.) .. أهل التفسير على أن الأوصاف الثلاثة لشيء واحد ... والواو مقحمة كما في قول الشاعر :
إلى الملك القرم وابن الهما |
|
م وليث الكتيبة في المزدحم |
أراد إلى الملك القرم ابن الهمام ليث الكتيبة.
وقيل : كان منهم قوم يرجفون ، وقوم يتبعون النساء للريبة ، وقوم يشككون المسلمين .. (١).
وقد سار صاحب الكشاف على أن هذه الأوصاف لطوائف متعددة من الفاسقين ، فقال : (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) قوم كان فيهم ضعف إيمان ، وقلة ثبات عليه ..
(وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ) ناس كانوا يرجفون بأخبار السوء عن سرايا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيقولون : هزموا وقتلوا وجرى عليهم كيت وكيت ، فيكسرون بذلك قلوب المؤمنين.
والمعنى : لئن لم ينته المنافقون عن عدائكم وكيدكم ، والفسقة عن فجورهم ، والمرجفون عما يؤلفون من أخبار السوء ، لنأمرنك بأن تفعل بهم الأفاعيل التي تسوؤهم وتنوؤهم (٢).
وقوله : (لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ) جواب القسم. أى : لنسلطنك عليهم فتستأصلهم بالقتل والتشريد ، يقال : أغرى فلان فلانا بكذا ، إذا حرضه على فعله.
وقوله : (ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلاً) معطوف على جواب القسم. أى : لنغرينك بهم ثم لا يبقون بعد ذلك مجاورين لك فيها إلا زمانا قليلا ، يرتحلون بعده بعيدا عنكم ، لكي تبتعدوا عن شرورهم.
وجاء العطف بثم في قوله : (ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ) للإشارة إلى أن إجلاءهم عن المدينة نعمة عظيمة بالنسبة للمؤمنين ، ونقمة كبيرة بالنسبة لهؤلاء المنافقين وأشباههم. وقوله : (مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا) أى : مطرودين من رحمة الله ـ تعالى ـ ومن فضله ، أينما وجدوا وظفر بهم المؤمنون.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٤ ص ٢٤٦.
(٢) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٥٦١.