ثم بين ـ تعالى ـ ما أعده للكافرين من عقاب فقال : (إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ) بأن طردهم من رحمته ، وأبعدهم عن مغفرته.
(وَأَعَدَّ لَهُمْ) فوق ذلك في الآخرة (سَعِيراً) أى : نارا شديدة الاشتعال والاتقاد.
(خالِدِينَ فِيها أَبَداً) أى : خالدين فيها خلودا أبديا لا خروج لهم منها معه.
(لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) أى لا يجدون من يحول بينهم وبين الدخول في هذه النار المسعرة ، كما لا يجدون من يخلصهم من عذابها وسعيرها.
ثم بين ـ سبحانه ـ حسراتهم عند ما يحل بهم العذاب في الآخرة فقال : يوم تقلب وجوههم في النار ، يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا.
و (يَوْمَ) ظرف لعدم الوجدان لمن يدافع عنهم أو ينصرهم أى : لا يجدون من يدفع عنهم العذاب : يوم تقلب وجوههم في النار تارة إلى جهة ، وتارة إلى جهة أخرى ، كما يقلب اللحم عند شوائه.
وحينئذ يقولون على سبيل التحسر والتفجع : يا ليتنا أطعنا الله ـ تعالى ـ فيما أمرنا به ، وأطعنا رسوله فيما جاءنا به من عند ربه.
قال صاحب الكشاف : وقوله : (تُقَلَّبُ) بمعنى تتقلب ، ومعنى تقليبها : تصريفها في الجهات ، كما ترى البيضة تدور في القدر إذا غلت ، فترامى بها الغليان من جهة إلى جهة. أو تغييرها عن أحوالها وتحويلها عن هيئاتها ، أو طرحها في النار مقلوبة منكوسة.
وخصت الوجوه بالذكر ، لأنه الوجه أكرم موضع على الإنسان من جسده ويجوز أن يكون الوجه عبارة عن الجملة (١).
(وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) ، أى : وقال هؤلاء الكافرون ـ بعد هذا التحسر والتفجع ـ يا ربنا إنا أطعنا في الدنيا (سادَتَنا وَكُبَراءَنا) أى : ملوكنا ورؤساءنا وزعماءنا ، فجعلونا في ضلال عن الصراط المستقيم ، وعن السبيل الحق.
(رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ) أى : يا ربنا أنزل بهؤلاء السادات والكبراء عذابا مضاعفا ، بسبب ضلالهم في أنفسهم ، وبسبب إضلالهم لغيرهم.
(وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً) أى واطردهم من رحمتك ، وأبعدهم عن مغفرتك ، إبعادا شديدا عظيما ، فهم الذين كانوا سببا لنا في هذا العذاب المهين الذي نزل بنا.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٥٦٢.