والجملة الكريمة مستأنفة لمدح هؤلاء العلماء العقلاء على إيمانهم بالحق ، أو معطوفة على يجزى في قوله ـ تعالى ـ قبل ذلك : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ).
والمراد ب (الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) القرآن الكريم.
والمعنى : لا تحزن ـ أيها الرسول الكريم ـ لما يقوله الكافرون بشأنك ولما يفعلونه لإبطال دعوتك ، فإن الذين أوتوا العلم وهم أتباعك الصادقون ، يعلمون ويعتقدون أن ما أنزل إليك من ربك هو الحق الذي لا يحوم حوله باطل ، وهو الصدق الذي لا يشوبه كذب ، وهو الكتاب الذي يهدى من اتبعه وأطاع توجيهاته إلى دين الله ـ تعالى ـ ، العزيز ، الذي يقهر ولا يقهر (الْحَمِيدِ) أى المحمود في جميع شئونه.
والمفعول الأول ليرى قوله : (الَّذِي أُنْزِلَ) .. والمفعول الثاني «الحق» و «هو» ضمير فصل متوسط بين المفعولين و «يهدى» معطوف على المفعول الثاني من باب عطف الفعل على الاسم لتأويله به ، أى : يرونه حقا وهاديا.
وعبر ـ سبحانه ـ عن إيمان أهل العلم بما جاءهم به الرسول صلىاللهعليهوسلم بقوله : (وَيَرَى) ، للإشعار بأنهم قد آمنوا هذا الإيمان الجازم عن إدراك ومشاهدة ويقين ، وأنهم قد صاروا لا يشكون في كون هذا المنزّل عليه من ربه ، هو الحق الهادي إلى الصراط المستقيم.
وفي وصفهم بقوله : (أُوتُوا الْعِلْمَ) ثناء عظيم عليهم ، لأنهم انتفعوا بعلمهم وسخروه لخدمة الحق ، وللشهادة له بأنه حق ، ويهدى إلى السعادة الدينية والدنيوية والأخروية.
وهكذا العلماء العاملون بمقتضى علمهم النافع. يكونون أنصارا للحق والهدى في كل زمان ومكان.
ثم حكى ـ سبحانه ـ ما قاله أولئك الكافرون فيما بينهم ، على سبيل الاستهزاء بالنبي صلىاللهعليهوسلم فقال ـ تعالى ـ : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ...).
وتمزيق الشيء : تخريقه وجعله قطعا قطعا. يقال : ثوب ممزق ومزيق. إذا كان مقطعا مخرقا. والمراد بالرجل : الرسول صلىاللهعليهوسلم.
أى : وقال الذين كفروا بعضهم لبعض ، ألا تريدون أن ندلكم ونرشدكم إلى رجل ، هذا الرجل يخبركم ويحدثكم ، بأنكم إذا متم ، وفرقت أجسامكم في الأرض كل تفريق ، وصرتم رفاتا وعظاما ، وأصبحتم طعاما في بطون الطيور والوحوش.