(إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) أى : إنكم بعد هذا التمزيق والتفريق ، تخلقون خلقا جديدا ، وتعودون إلى الحياة مرة أخرى ، للحساب على أعمالكم التي عملتموها في حياتكم.
وقالوا : (هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ) وهو صلىاللهعليهوسلم أشهر من نار على علم بينهم ، لقصد تجاهل أمره ، والاستخفاف بشأنه ، والاستهزاء بدعوته.
ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال : فإن قلت : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم مشهورا علما في قريش ، وكان إنباؤه بالبعث شائعا بينهم ، فما معنى قولهم : (هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ) فنكروه لهم ، وعرضوا عليهم الدلالة عليه كما يدل على مجهول في أمر مجهول؟
قلت : كانوا يقصدون بذلك الطّنز ـ أى : الاستخفاف والسخرية ـ فأخرجوه مخرج التحلي ببعض الأحاجى التي يتحاجى بها للضحك والتلهي ، متجاهلين به وبأمره (١).
وقال الآلوسى ـ رحمهالله ـ : وقوله : (يُنَبِّئُكُمْ) أى يحدثكم بأمر مستغرب عجيب ... وإذا في قوله : (إِذا مُزِّقْتُمْ) شرطية ، وجوابها محذوف لدلالة ما بعده عليه.
أى : تبعثون أو تحشرون ، وهو العامل في «إذا» على قول الجمهور. والجملة الشرطية بتمامها معمولة لقوله : (يُنَبِّئُكُمْ) لأنه في معنى يقول لكم إذا مزقتم كل ممزق تبعثون ، ثم أكد ذلك بقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) (٢).
وقوله ـ سبحانه ـ بعد ذلك : (أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ) حكاية لقول آخر من أقوالهم الباطلة ، التي قالوها بشأن ما جاءهم به النبي صلىاللهعليهوسلم.
والاستفهام لتعجبهم مما قاله صلىاللهعليهوسلم لأن قوله لهم : إنكم ستبعثون وتحاسبون يوم القيامة ، جعلهم لجهلهم وانطماس عقولهم ـ يستنكرون ذلك ، ويرجعون قوله صلىاللهعليهوسلم إلى أمرين : إما افتراء الكذب واختلاقه على الله ـ تعالى ـ وإما إصابته بالجنون الذي جعله يقول قولا لا يدرى معناه.
وقد رد الله ـ تعالى ـ بما ينفى عن رسوله صلىاللهعليهوسلم ما اتهموه به ، وبما يثبت جهلهم وغباءهم فقال. (بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ).
أى : ليس الأمر كما زعم هؤلاء الكافرون ، من أن الرسول صلىاللهعليهوسلم الذي أخبرهم بأن هناك بعثا وحسابا ، به جنة أو افترى على الله كذبا ، بل الحق أن هؤلاء الكافرين الذين
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٥٧٠.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٢٢ ص ١٠٩.