وقولهم هذا الذي حكاه القرآن عنهم ، يدل على إسرافهم في الظلم والطغيان والجهالة ...
والفاء في قوله ـ تعالى ـ (فَأَنْجاهُ اللهُ مِنَ النَّارِ) فصيحة. أى : فاتفقوا على إحراقه بالنار ، وألقوه فيها بعد اشتعالها ، فأنجاه الله ـ تعالى ـ منها ، بأن جعلها بردا وسلاما عليه ...
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) .. أى : إن في ذلك الذي فعلناه بقدرتنا مع إبراهيم ـ عليهالسلام ـ حيث أخرجناه سليما من النار (لَآياتٍ) بينات على وحدانيتنا وقدرتنا ، لقوم يؤمنون ، بأن الله ـ تعالى ـ هو رب العالمين ، وأنه له الخلق والأمر.
وجمع ـ سبحانه ـ الآيات لأن في نجاة إبراهيم ، دلالات متعددة على قدرة الله ـ تعالى ـ لا دلالة واحدة ، فنجاته من النار وتحويلها عليه إلى برد وسلام آية ، وعجز المشركين جميعا عن أن يلحقوا به ضررا آية ثانية ، وإصرارهم على كفرهم مع ما شاهدوه ، آية ثالثة على أن القلوب الجاحدة تبقى على جحودها حتى مع وجود المعجزات الدالة على صدق من جاء بها من عند الله ـ تعالى ـ.
ولذا خص ـ سبحانه ـ هذه الآيات ، لأنهم هم وحدهم المنتفعون بها.
ثم حكى ـ سبحانه ـ ما قاله إبراهيم ـ عليهالسلام ـ لقومه بعد أن نجاه الله من شرورهم فقال : (وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً ، مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ، ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ ، وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً).
ولفظ «مودة» وردت فيه قراءات : فقد قرأه بعض القراء السبعة بالنصب ، على أنه مفعول به لقوله : (اتَّخَذْتُمْ) أو على أنه مفعول لأجله ، فيكون المعنى :
وقال إبراهيم لقومه : يا قوم إنكم لم تتخذوا هذه الأوثان معبودات لكم عن عقيدة واقتناع بأحقية عبادتها. وإنما اتخذتموها معبودات من أجل المودة فيما بينكم ، ومن أجل أن يجامل بعضكم بعضا في عبادتها ، على حساب الحق والهدى.
وهذا شأنكم في الدنيا ، أما في يوم القيامة ، فهذه المودة ستزول لأنها مودة باطلة ، وسيكفر بعضكم ببعض ، ويلعن بعضكم بعضا ، حيث يتبرأ القادة من الأتباع ، والأتباع من القادة. (وَمَأْواكُمُ النَّارُ) أى : ومنزلكم الذي تأوون إليه أنتم وأصنامكم يوم القيامة النار (وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ) يخلصونكم من هذه النار ، أو يخففون سعيرها عنكم.
وبعض القراء السبعة قرأ لفظ (مَوَدَّةَ) بالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف : أى : أن ما اتخذتموه من عبادة الأوثان ، هو مودة بينكم في الحياة الدنيا ، أما في الآخرة فسيكفر بعضكم