ببعض ، ويلعن بعضكم بعضا.
والمقصود من الآية الكريمة ، بيان أن هؤلاء المشركين لم يتخذوا الأصنام آلهة ، وهم يعتقدون صحة ذلك اعتقادا جازما ، وإنما اتخذوها في الدنيا آلهة تارة على سبيل التواد فيما بينهم ، وتارة على سبيل التقليد والمسايرة لغيرهم .. أما في الآخرة فستتحول تلك المودات والمسايرات والتقاليد إلى عداوات ومقاطعات وملاعنات ...
وقوله ـ تعالى ـ : (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ.) .. بيان للثمرة الطيبة التي ترتبت على دعوة إبراهيم لقومه ، إلى عبادة الله ـ تعالى ـ وحده ، بعد أن مكث فيهم مدة لا يعلمها إلا الله ، وبعد أن أقام لهم ألوانا من الأدلة على أن ما جاءهم به هو الحق ، وما هم عليه هو الباطل.
والتعبير بقوله ـ سبحانه ـ : (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ) يشعر بأن لوطا ـ عليهالسلام ـ وحده ، هو الذي لبى دعوة إبراهيم ، وصدقه في كل ما أخبر به.
ولوط ـ عليهالسلام ـ يرى كثير من العلماء أنه ابن أخى إبراهيم ـ عليهالسلام ـ فهو لوط بن هاران بن آزر.
والضمير في قوله ـ سبحانه ـ : (وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي.) .. يرى بعضهم أنه يعود إلى لوط ، لأنه أقرب مذكور. أى : فآمن لوط لإبراهيم وصدقه في كل ما جاء به ، وقال : إنى مهاجر إلى الجهة التي أمرنى ربي بالهجرة إليها ، لأبلغ دعوته ، فهو لم يهاجر من أجل منفعة دنيوية ، وإنما هاجر من أجل تبليغ أمر ربه ، وإعلاء كلمته.
ويرى آخرون أن الضمير يعود إلى إبراهيم ـ عليهالسلام ـ ، لأن الحديث عنه.
قال الآلوسى ما ملخصه : (وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي) أى : وقال إبراهيم : إنى مهاجر ، أى : من قومي ، إلى ربي .. أى إلى الجهة التي أمرنى بأن أهاجر إليها (إِنَّهُ) ـ عزوجل ـ (هُوَ الْعَزِيزُ) الغالب على أمره ... (الْحَكِيمُ) الذي لا يفعل فعلا إلا وفيه حكمة ومصلحة ..
وقيل : الضمير في (وَقالَ) للوط ـ عليهالسلام ـ ، وليس بشيء لما يلزم عليه من التفكيك» (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ بعض النعم التي أنعم بها على نبيه إبراهيم ، بعد أن هاجر من العراق إلى بلاد الشام لتبليغ رسالة ربه إلى الناس فقال : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ، وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ.) ...
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٠ ص ١٥٢.