تعالى ـ أحد يعينه أو يظاهره فيما يريد من إيجاد أو إعدام ، بل الأمر كله إليه وحده.
فأنت ترى أن الآية الكريمة قد نفت عن تلك الآلهة المزعومة ، ملكية أى شيء في هذا الكون ، سواء أكانت ملكية خالصة ، أم ملكية على سبيل المشاركة ، وأثبتت أن المالك والمتصرف في هذا الكون إنما هو الله ـ تعالى ـ وحده ، دون أن يكون في حاجة إلى عون من تلك الآلهة أو من غيرها.
ثم نفى ـ سبحانه ـ أن تكون هناك شفاعة من أحد لأحد إلا بإذنه ـ تعالى ـ فقال : (وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ).
والشفاعة : من الشفع الذي هو ضد الوتر ـ أى : الفرد ـ ، ومعناها : انضمام الغير إلى الشخص ليدفع عنه ما يمكن دفعه من ضر.
أى : ولا تنفع الشفاعة عند الله ـ تعالى ـ من أحد لأحد ، إلا لمن أذن الله ـ تعالى ـ له في ذلك.
قال الآلوسى ما ملخصه : والمراد نفى شفاعة الأصنام لعابديها ، لكنه ـ سبحانه ـ ذكر ذلك على وجه عام ، ليكون طريقا برهانيا. أى : لا تنفع الشفاعة في حال من الأحوال ، أو كائنة لمن كانت ، إلا كائنة لشافع أذن له فيها من النبيين والملائكة ونحوهم من المستأهلين لمقام الشفاعة. ومن البين أنه لا يؤذن في الشفاعة للكفار ، فقد قال ـ تعالى ـ : (لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً) والشفاعة لهم بمعزل عن الصواب ، وعدم الإذن للأصنام أبين وأبين ، فتبين حرمان هؤلاء الكفرة منها بالكلية ... (١).
وقوله : (حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ) .. بيان لما يكون عليه المنتظرون للشفاعة ، من لهفة وقلق.
والتضعيف في قوله (فُزِّعَ) للسلب. كما في قولهم : مرّضت المريض إذا عملت على إزالة مرضه.
فمعنى : (فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ) : كشف الفزع عنها ، وهدأت أحوالها بعد أن أصابها ما أصابها من هول وخوف في هذا اليوم الشديد ، وهو يوم القيامة.
و (حَتَّى) غاية لما فهم من الكلام قبلها ، من أن هناك تلهفا وترقبا من الراجين للشفاعة ومن الشفعاء ، إذ الكل منتظر بقلق لما يؤول إليه أمره من قبول الشفاعة أو عدم قبولها.
والمعنى : ولا تقبل الشفاعة يوم القيامة من أحد إلا لمن أذن الله ـ تعالى ـ له في ذلك ، وفي
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٢ ص ١٣٦.