جاءهم؟ إن أمرهم هذا لهو في غاية الغرابة والعجب.
فالمقصود من الآية الكريمة تجهيلهم والتهكم بهم ، ونفى أن يكون عندهم حتى ما يشبه الدليل على صحة ما هم فيه من شرك.
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ) وقوله ـ عزوجل ـ : (أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ).
ثم بين لهم ـ سبحانه ـ بعد ذلك هوان أمرهم. وتفاهة شأنهم بالنسبة لمن سبقوهم ، فقال : (وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ ، فَكَذَّبُوا رُسُلِي ، فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ).
والمعشار بمعنى العشر وهو لغة فيه. تقول : عندي عشر دينار ومعشار دينار ، قال أبو حيان : والمعشار مفعال من العشر ، ولم يبن على هذا الوزن من ألفاظ العدد غيره وغير المرباع. ومعناهما : العشر والربع .. (١).
والضمير في قوله (وَما بَلَغُوا) يعود لكفار مكة ، وقوله : (ما آتَيْناهُمْ) وفي قوله : (فَكَذَّبُوا رُسُلِي) يعود إلى الأمم السابقة.
والنكير : مصدر كالإنكار ، وهو من المصادر التي جاءت على وزن فعيل.
والمعنى : لا تحزن ـ أيها الرسول الكريم ـ لتكذيب قومك لك ، فقد كذب الذين من قبلهم من الأمم رسلهم ، وإن قومك لم يبلغوا من القوة والغنى والكثرة .. عشر ما كان عليه سابقوهم ، ولكن لما كذب أولئك السابقون أنبياءهم ، أخذتهم أخذ عزيز مقتدر ، بأن دمرناهم جميعا.
والاستفهام في قوله ـ تعالى ـ (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) للتهويل. والجملة الكريمة معطوفة على مقدر والمعنى : فحين تمادوا في تكذيب رسلي ، جاءهم إنكارى بالتدمير ، فكيف كان إنكارى عليهم بالتدمير والإهلاك؟ لقد كان شيئا هائلا فظيعا تركهم في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها ، فعلى قومك أن يحذروا من أن يصيبهم مثله.
وجعل ـ سبحانه ـ التدمير إنكارا ، تنزيلا للفعل منزلة القول ، كما في قول بعضهم : ونشتم بالأفعال لا بالتكلم.
ويرى بعضهم أن الضمير في قوله (وَما بَلَغُوا) يعود على الذين من قبلهم ، وفي قوله (آتَيْناهُمْ) يعود إلى كفار مكة.
__________________
(١) تفسير البحر المحيط ج ٧ ص ٢٩٠.