وبهذا الاسناد قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : بعثت أنا والساعة جميعا ، إن كادت لتسبقني» (١).
ثم أمره ـ سبحانه ـ للمرة الثانية أن يصارحهم بأنه لا يريد منهم أجرا على دعوته إياهم إلى ما يسعدهم فقال : (قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ).
أى : وقل لهم ـ أيها الرسول الكريم. بعد أن دعوتهم إلى التفكير الهادئ ، المتأنى في أمرك : إنى ما طلبت منكم أجرا على دعوتي إياكم إلى الحق والخير ، وإذا فرض وطلبت فهو مردود عليكم. لأنى لا ألتمس أجرى إلا من الله ـ تعالى ـ وحده ، وهو ـ سبحانه ـ على كل شيء شهيد ورقيب ، ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
قال الآلوسى قوله : قل ما سألتكم من أجر ، أى : مهما سألتكم من نفع على تبليغ الرسالة (فَهُوَ لَكُمْ) والمراد نفى السؤال رأسا ، كقولك لصاحبك إن أعطيتنى شيئا فخذه ، وأنت تعلم أنه لم يعطك شيئا : فما شرطية. مفعول (سَأَلْتُكُمْ) وقوله (فَهُوَ لَكُمْ) الجواب ـ وقيل هي موصولة ، والعائد محذوف ، ومن للبيان ودخلت الفاء في الخبر لتضمنها معنى الشرط. أى : الذي سألتكموه من الأجر فهو لكم ، وثمرته تعود إليكم (٢).
ثم أمره ـ سبحانه ـ للمرة الثالثة ، أن يبين لهم أنهم لا قدرة لهم على مجادلته أو محاربته ، لأن الله ـ تعالى ـ قد سلحه بما ينصره عليهم فقال : (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) وأصل القذف : الرمي بقوة وشدة والمراد به هنا : ما يوحيه الله ـ تعالى ـ على نبيه صلىاللهعليهوسلم من قرآن وتوجيهات وإلهامات ، والباء في قوله (بِالْحَقِ) للسببية.
أى : قل لهم ـ أيها الرسول الكريم ـ إن ربي يلقى الوحى إلى وإلى أنبيائه ، بسبب الحق الذي كلفهم بتبليغه إلى الناس ، وهو ـ سبحانه ـ وحده علام الغيوب.
قال الجمل : ما ملخصه قوله : (يَقْذِفُ بِالْحَقِ) يجوز أن يكون مفعوله محذوفا ، لأن القذف في الأصل الرمي ، وعبر به هنا عن الإلقاء. أى : يلقى الوحى إلى أنبيائه بالحق ، أى : بسبب الحق ، أو متلبسا الحق.
ويجوز أن يكون التقدير : يقذف الباطل بالحق ، كما قال ـ تعالى ـ (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ).
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٥١٣.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٢٢ ص ١٥٥.