قال القرطبي : والفاطر : الخالق ، والفطر ـ بفتح الفاء ـ : الشق عن الشيء. يقال : فطرته فانفطر. ومنه : فطر ناب البعير ، أى : طلع. وتفطر الشيء ، أى : تشقق ...
والفطر : الابتداء والاختراع. قال ابن عباس : كنت لا أدرى ما (فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) حتى أتى أعرابيان يختصمان في بئر ، فقال أحدهما : أنا فطرتها ، أى : أنا ابتدأتها ..
والمراد بذكر السموات والأرض : العالم كله. ونبه بهذا على أن من قدر على الابتداء ، قادر على الإعادة (١).
والمعنى : الحمد المطلق والثناء التام الكامل لله ـ تعالى ـ وحده ، فهو ـ سبحانه ـ الخالق للسموات والأرض ، ولهذا الكون بأسره ، دون أن يسبقه إلى ذلك سابق ، أو يشاركه فيما خلق وأوجد مشارك.
وقوله ـ تعالى ـ : (جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) بيان لمظهر آخر من مظاهر قدرته ـ تعالى ـ التي لا يعجزها شيء.
والملائكة : جمع ملك. والتاء لتأنيث الجمع ، وأصله ملاك. وهم جند من خلق الله ـ تعال ـ وقد وصفهم ـ سبحانه ـ بصفات متعددة ، منها : أنهم (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) وأنهم (عِبادٌ مُكْرَمُونَ). (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ ، وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ).
قال الجمل : وقوله : جاعل الملائكة ، أى : بعضهم. إذ ليس كلهم رسلا كما هو معلوم. وقوله : (أُولِي أَجْنِحَةٍ) نعت لقوله (رُسُلاً) ، وهو جيد لفظا لتوافقهما تنكيرا. أو هو نعت للملائكة ، وهو جيد معنى إذ كل الملائكة لها أجنحة ، فهي صفة كاشفة .. (٢).
وقوله : (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) أسماء معدول بها عن اثنين اثنين ، وثلاثة ثلاثة ، وأربعة أربعة ، وهي ممنوعة من الصرف ، للوصفية والعدل عن المكرر وهي صفة لأجنحة.
أى : الحمد لله الذي خلق السموات والأرض بقدرته ، والذي جعل الملائكة رسلا إلى أنبيائه. وإلى من يشاء من عباده ، ليبلغوهم ما يأمرهم ـ سبحانه ـ بتبليغه إليهم ..
وهؤلاء الملائكة المكرمون ، ذوو أجنحة عديدة. منهم من له جناحان ومنهم من له ثلاثة ، ومنهم من له أربعة ، ومنهم من له أكثر من ذلك ، لأن المراد بهذا الوصف ، بيان كثرة الأجنحة لا حصرها.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٤ ص ٣١٩.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ٤٨٣.