قال الآلوسى ما ملخصه قوله : (جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً) .. معناه : جاعل الملائكة وسائط بينه وبين أنبيائه والصالحين من عباده ، يبلغون إليهم رسالته بالوحي والإلهام والرؤيا الصادقة ، أو جاعلهم وسائط بينه وبين خلقه يوصلون إليهم آثار قدرته وصنعه ، كالأمطار والرياح وغيرهما.
وقوله : (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) معناه : أن من الملائكة من له جناحان ومنهم من له ثلاثة ، ومنهم من له أربعة ، ولا دلالة في الآية على نفى الزائد ، وما ذكر من عد للدلالة على التكثير والتفاوت ، لا للتعيين ولا لنفى النقصان عن اثنين ..
فقد أخرج الشيخان عن ابن مسعود في قوله ـ تعالى ـ (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) أن الرسول صلىاللهعليهوسلم رأى جبريل وله ستمائة جناح .. (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ) استئناف مقرر لمضمون ما قبله ، من كمال قدرته ، ونفاذ إرادته.
أى يزيد ـ سبحانه ـ في خلق كل ما يزيد خلقه ما يشاء أن يزيده من الأمور التي لا يحيط بها الوصف ، ومن ذلك أجنحة الملائكة فيزيد فيها ما يشاء ، وكذلك ينقص في الخلق ما يشاء ، والكل جاء على مقتضى الحكمة والتدبير.
قال صاحب الكشاف : قوله (يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ) أى : يزيد في خلق الأجنحة ، وفي غيره ما تقتضيه مشيئته وحكمته.
والآية مطلقة تتناول كل زيادة في الخلق : من طول قامة ، واعتدال صورة ، وتمام الأعضاء ، وقوة في البطش ، وحصافة في العقل ، وجزالة في الرأى ، وجرأة في القلب ، وسماحة في النفس ، وذلاقة في اللسان ، ولباقة في التكلم ، وحسن تأن في مزاولة الأمور ، وما أشبه ذلك مما لا يحيط به الوصف .. (٢).
ثم ختم ـ سبحانه ـ الآية الكريمة بقوله : (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أى : إن الله ـ تعالى ـ لا يعجزه شيء يريده ، لأنه قدير على فعل كل شيء ، فالجملة الكريمة تعليل لما قبلها من كونه ـ سبحانه ـ يزيد في الخلق ما يشاء ، وينقص منه ما يشاء.
وقوله ـ تعالى ـ : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها.) .. بيان لمظهر آخر من مظاهر قدرته وفضله على عباده.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٢ ص ١٦١.
(٢) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٥٩٥.