والخطاب للرسول صلىاللهعليهوسلم ، أو لكل من يتأتى له الخطاب ، بتقرير دليل من أدلة القدرة الباهرة.
والمعنى : لقد علمت ـ أيها العاقل ـ علما لا يخالطه شك ، أن الله ـ تعالى ـ أنزل من السماء ماء كثيرا ، فأخرج بسببه من الأرض ، ثمرات مختلفا ألوانها. فبعضها أحمر ، وبعضها أصفر ، وبعضها أخضر .. وبعضها حلو المذاق ، وبعضها ليس كذلك ، مع أنها جميعا تسقى بماء واحد ، كما قال ـ تعالى ـ : (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ ، وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ ، صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ ، وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ. إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (١).
وجاء قوله (فَأَخْرَجْنا) .. على أسلوب الالتفات من الغيبة إلى التكلم ، لإظهار كمال الاعتناء بالفعل لما فيه من الصنع البديع المنبئ عن كمال القدرة والحكمة ، ولأن المنة بالإخراج أبلغ من إنزال الماء.
وقوله (مُخْتَلِفاً) صفة لثمرات ، وقوله (أَلْوانُها) فاعل به.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ) معطوف على ما قبله ، لبيان مظهر آخر من مظاهر قدرته ـ عزوجل ـ.
قال القرطبي ما ملخصه : «الجدد جمع جدّة ـ بضم الجيم ـ وهي الطرائق المختلفة الألوان» .. والجدّة : الخطة التي في ظهر الحمار تخالف لونه. والجدة : الطريقة والجمع جدد .. أى : طرائق تخالف لون الجبل ، ومنه قولهم : ركب فلان جدّة من الأمر ، إذا رأى فيه رأيا» (٢).
وغرابيب : جمع غربيب ، وهو الشيء الشديد السواد ، والعرب تقول للشيء الشديد السواد ، أسود غربيب.
وقوله : (سُودٌ) بدل من (غَرابِيبُ).
أى : أنزلنا من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ، وجعلنا بقدرتنا من الجبال قطعا ذات ألوان مختلفة ، فمنها الأبيض ، ومنها الأحمر ، ومنها ما هو شديد السواد ، ومنها ما ليس كذلك ، مما يدل على عظيم قدرتنا. وبديع صنعنا ..
__________________
(١) سورة الرعد الآية ٤.
(٢) تفسير القرطبي ج ١٤ ص ٣٤٢.