ثم بين ـ سبحانه ـ أن هذا الاختلاف ليس مقصورا على الجبال فقال : (وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ) ...
وقوله : (مُخْتَلِفٌ) صفة لموصوف محذوف. وقوله (كَذلِكَ) صفة ـ أيضا ـ لمصدر محذوف ، معمول لمختلف.
أى : ليس اختلاف الألوان مقصورا على قطع الجبال وطرقها وأجزائها ، بل ـ أيضا ـ من الناس والدواب والأنعام ، أصناف وأنواع مختلف ألوانها اختلافا ، كذلك الاختلاف الكائن في قطع الجبال ، وفي أنواع الثمار.
وإنما ذكر ـ سبحانه ـ هنا اختلاف الألوان في هذه الأشياء ، لأن هذا الاختلاف من أعظم الأدلة على قدرة الله ـ تعالى ـ وعلى بديع صنعه.
ثم بين ـ سبحانه ـ أولى الناس بخشيته فقال : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) أى : إنما يخاف الله ـ تعالى ـ ويخشاه ، العالمون بما يليق بذاته وصفاته ، من تقديس وطاعة وإخلاص في العبادة ، أما الجاهلون بذاته وصفاته ـ تعالى ـ ، فلا يخشونه ولا يخافون عقابه ، لانطماس بصائرهم ، واستحواذ الشيطان عليهم ، وكفى بهذه الجملة الكريمة مدحا للعلماء ، حيث قصر ـ سبحانه ـ خشيته عليهم.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : هل يختلف المعنى إذا قدم المفعول في هذا الكلام أو أخر؟ قلت : لا بد من ذلك ، فإنك إذا قدمت اسم الله ، وأخرت العلماء ، كان المعنى. إن الذين يخشون الله من عباده هم العلماء دون غيرهم ، وإذا عملت على العكس انقلب المعنى إلى أنهم لا يخشون إلا الله ، كقوله ـ تعالى ـ : (وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ) وهما معنيان مختلفان.
فإن قلت : ما وجه اتصال هذا الكلام بما قبله؟
قلت : لما قال (أَلَمْ تَرَ) بمعنى ألم تعلم أن الله أنزل من السماء ماء ، وعدد آيات الله ، وأعلام قدرته ، وآثار صنعته .. أتبع ذلك بقوله : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) كأنه قال : إنما يخشاه مثلك ومن على صفتك ممن عرفه حق معرفته ، وعلمه كنه علمه.
وعن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «أنا أرجو أن أكون أتقاكم لله وأعلمكم به» (١).
وقوله : (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) تعليل لوجوب الخشية ، لدلالته على أنه يعاقب على المعصية ، ويغفر الذنوب لمن تاب من عباده توبة نصوحا.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٦١١.