لأمتك ، التي اصطفيناها على سائر الأمم ، وجعلناها أمة وسطا. وقد ورثناها هذا الكتاب لتنتفع بهداياته .. وتسترشد بتوجيهاته ، وتعمل بأوامره ونواهيه.
قال الآلوسى : قوله : (الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) هم ـ كما قال ابن عباس وغيره ـ أمة محمد صلىاللهعليهوسلم ، فإن الله ـ تعالى ـ اصطفاهم على سائر الأمم ..» (١).
وفي التعبير بالاصطفاء ، تنويه بفضل هؤلاء العباد ، وإشارة إلى فضلهم على غيرهم ، كما أن التعبير بالماضي يدل على تحقق هذا الاصطفاء.
ثم قسم ـ سبحانه ـ هؤلاء العباد إلى ثلاثة أقسام فقال : (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ ، وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ. وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ) ...
وجمهور العلماء على أن هذه الأقسام الثلاثة ، تعود إلى أفراد هذه الأمة الإسلامية.
وأن المراد بالظالم لنفسه ، من زادت سيئاته على حسناته.
وأن المراد بالمقتصد : من تساوت حسناته مع سيئاته.
وأن المراد بالسابقين بالخيرات : من زادت حسناتهم على سيئاتهم.
وعلى هذا يكون الضمير في قوله ـ تعالى ـ بعد ذلك : (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها) .. يعود إلى تلك الأقسام الثلاثة ، لأنهم جميعا من أهل الجنة بفضل الله ورحمته.
ومن العلماء من يرى أن المراد بالظالم لنفسه : الكافر ، وعليه يكون الضمير في قوله : (يَدْخُلُونَها) يعود إلى المقتصد والسابق بالخيرات ، وأن هذه الآية نظير قوله ـ تعالى ـ في سورة الواقعة : (وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً. فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ. وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ، وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) ...
ومن المفسرين الذين رجحوا القول الأول ابن كثير فقد قال ما ملخصه : يقول ـ تعالى ـ ثم جعلنا القائمين بالكتاب العظيم ... وهم هذه الأمة على ثلاثة أقسام : (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) وهو المفرط في بعض الواجبات المرتكب لبعض المحرمات. (وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) وهو المؤدى للواجبات التارك للمحرمات وقد يترك بعض المستحبات ، ويفعل بعض المكروهات.
(وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ) وهو الفاعل للواجبات والمستحبات.
قال ابن عباس : هم أمة محمد صلىاللهعليهوسلم ورثهم الله ـ تعالى ـ كل كتاب أنزله. فظالمهم يغفر له ، ومقتصدهم يحاسب حسابا يسيرا ، وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٢ ص ١٩٤.