قالوا : وتقديم الظالم لنفسه على المقتصد وعلى السابق بالخيرات. لا يقتضى تشريفا ، كما في قوله ـ تعالى ـ (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ) ...
ولعل السر في مجيء هذه الأقسام بهذا الترتيب ، أن الظالمين لأنفسهم أكثر الأقسام عددا ، ويليهم المقتصدون ، ويليهم السابقون بالخيرات ، كما قال ـ تعالى ـ (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ).
وقوله : (بِإِذْنِ اللهِ) أى : بتوفيقه وإرادته وفضله.
واسم الإشارة في قوله : (ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) يعود إلى ما تقدم من توريث الكتاب ومن الاصطفاء.
أى : ذلك الذي أعطيناه ـ أيها الرسول الكريم ـ لأمتك من الاصطفاء ومن توريثهم الكتاب ، هو الفضل الواسع الكبير ، الذي لا يقادر قدره ، ولا يعرف كنهه إلا الله ـ تعالى ـ.
ثم بين ـ سبحانه ـ مظاهر هذا الفضل فقال : (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها) والضمير للأنواع الثلاثة.
أى : هؤلاء الظالمون لأنفسهم والمقتصدون والسابقون بالخيرات ، ندخلهم بفضلنا ورحمتنا ، الجنات الدائمة التي يخلدون فيها خلودا أبديا.
يقال : عدن فلان بالمكان ، إذا أقام به إقامة دائمة.
(يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ) أى أنهم يدخلون الجنات دخولا دائما ، وهم في تلك الجنات يتزينون بأجمل الزينات ، وبأفخر الملابس ، حيث يلبسون في أيديهم أساور من ذهب ولؤلؤا ، أما ثيابهم فهي من الحرير الخالص.
ثم حكى ـ سبحانه ـ ما يقولونه بعد فوزهم بهذا النعيم فقال : (وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ).
والحزن : غم يعترى الإنسان لخوفه من زوال نعمة هو فيها. والمراد به هنا : جنس الحزن الشامل لجميع أحزان الدين والدنيا والآخرة.
أى : وقالوا عند دخولهم الجنات الدائمة ، وشعورهم بالأمان والسعادة والاطمئنان : الحمد لله الذي أذهب عنا جميع ما يحزننا من أمور الدنيا أو الآخرة.
(إِنَّ رَبَّنا) بفضله وكرمه (لَغَفُورٌ شَكُورٌ) أى : لواسع المغفرة لعباده ولكثير العطاء للمطيعين ، حيث أعطاهم الخيرات الوفيرة في مقابل الأعمال القليلة. (الَّذِي أَحَلَّنا دارَ