وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)(٤٠)
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً) .. معطوف على مقدر محذوف ، لدلالة ما قبله عليه. ومدين : اسم للقبيلة التي تنسب إلى مدين بن إبراهيم ـ عليهالسلام ـ. وكانوا يسكنون في المنطقة التي تسمى معان بين حدود الحجاز والشام.
وقد أرسل الله ـ تعالى ـ إليهم شعيبا ـ عليهالسلام ـ ليأمرهم بعبادة الله ـ تعالى ـ وحده ، ولينهاهم عن الرذائل التي كانت منتشرة فيهم ، والتي من أبرزها التطفيف في المكيال والميزان.
والمعنى : وكما أرسلنا نوحا إلى قومه ، وإبراهيم إلى قومه ، أرسلنا إلى أهل مدين ، رسولنا شعيبا ـ عليهالسلام ـ.
(فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) أى : فقال لهم ناصحا ومرشدا ، الكلمة التي قالها كل نبي لأمته : يا قوم اعبدوا الله ـ تعالى ـ وحده ، واتركوا ما أنتم عليه من شرك.
وقال لهم ـ أيضا : وارجوا النجاة من أهوال يوم القيامة ، بأن تستعدوا له بالإيمان والعمل الصالح ، ولا تعثوا في الأرض مفسدين ، فإن الإفساد في الأرض ليس من شأن العقلاء ، وإنما هو من شأن الجهلاء الجاحدين لنعم الله ـ تعالى ـ. يقال : عثى فلان في الأرض يعثو ويعثى ـ كقال وتعب ـ ، إذا ارتكب أشد أنواع الفساد فيها.
فأنت ترى أن شعيبا ـ عليهالسلام ـ وهو خطيب الأنبياء ـ كما جاء في الحديث الشريف ، قد أمر قومه بإخلاص العبادة لله ، وبالعمل الصالح الذي ينفعهم في أخراهم ، ونهاهم عن الإفساد في الأرض ، فماذا كان موقفهم منه؟
كان موقفهم منه : التكذيب والإعراض ، كما قال ـ سبحانه ـ : (فَكَذَّبُوهُ) أى : فيما أمرهم به ، وفيما نهاهم عنه.
(فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) أى : فأهلكهم الله ـ تعالى ـ بسبب تكذيبهم لنبيهم بالرجفة ، وهي الزلزلة الشديدة. يقال : رجفت الأرض ، إذا اضطربت اضطرابا شديدا.