الحق بأسلوب لين كريم ، كما قال ـ تعالى ـ في آية أخرى : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ، وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) .. (١).
وقوله : (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) استثناء من الذين يجادلون بالتي هي أحسن.
أى : ناقشوهم وأرشدوهم إلى الحق بالتي هي أحسن ، إلا الذين ظلموا منهم. بأن أساءوا إليكم ، ولم يستعملوا الأدب في جدالهم ، فقابلوهم بما يليق بحالهم من الإغلاظ والتأديب.
وعلى هذا التفسير يكون المقصود بالآية الكريمة ، دعوة المؤمنين إلى استعمال الطريقة الحسنى في مجادلتهم لأهل الكتاب عموما ، ما عدا الظالمين منهم فعلى المؤمنين أن يعاملوهم بالأسلوب المناسب لردعهم وزجرهم وتأديبهم.
وقيل : المراد بأهل الكتاب هنا : المؤمنون منهم ، والمراد بالذين ظلموا : من بقي على الكفر منهم.
فيكون المعنى : ولا تجادلوا ـ أيها المؤمنون ـ من آمن من أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ، إلا الذين بقوا على كفرهم فعاملوهم بما يليق بحالهم من التأديب والإغلاظ عليهم.
ويبدو لنا أن التفسير الأول هو الأرجح والأظهر ، لأن الآية مسوقة لتعليم المؤمنين كيف يجادلون من بقي على دينه من أهل الكتاب ، ولأن من ترك كفره منهم ودخل في الإسلام أصبح مسلما وليس من أهل الكتاب ، وما دام الأمر كذلك فليس المسلمون في حاجة إلى إرشادهم إلى كيفية مجادلته ، ولأن قوله ـ تعالى ـ بعد ذلك : (وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ.) .. يرجح أن المراد بأهل الكتاب هنا من بقي على دينه منهم.
أى : جادلوهم بالطريقة الحسنى ماداموا لم يظلموكم ، وقولوا لهم على سبيل التعليم والإرشاد «آمنا بالذي أنزل إلينا» وهو القرآن ، وآمنا بالذي أنزل إليكم من التوراة والإنجيل.
قال الشوكانى : أى : آمنا بأنهما منزلان من عند الله ، وأنهما شريعة ثابتة إلى قيام الشريعة الإسلامية ، والبعثة المحمدية ولا يدخل في ذلك ما حرفوه وبدلوه ، (٢).
(وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ) لا شريك له لا في ذاته ولا في صفاته (وَنَحْنُ) جميعا معاشر المؤمنين (لَهُ مُسْلِمُونَ) أى : مطيعون وعابدون له وحده ، ولا نتخذ أربابا من دونه ـ عزوجل ـ.
__________________
(١) سورة النحل. الآية ١٢٥.
(٢) تفسير فتح القدير ج ٤ ص ٢٠٥.