قال القرطبي ما ملخصه : اختلف العلماء في قوله ـ تعالى ـ : (وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ) .. فقال مجاهد : هي محكمة ، فيجوز مجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن ، على معنى الدعاء لهم إلى الله ـ عزوجل ـ ، والتنبيه على حججه وآياته ... وقوله : (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) أى ظلموكم ..
وقيل : هذه الآية منسوخة بآية القتال وهي قوله : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ) ...
وقول مجاهد : حسن ، لأن أحكام الله ـ عزوجل ـ لا يقال فيها إنها منسوخة إلا بخبر يقطع العذر ، أو حجة من معقول ...» (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ موقف الناس من هذا الكتاب الذي أنزله على نبيه صلىاللهعليهوسلم فقال : (وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ ، فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) ...
والكاف بمعنى مثل : واسم الإشارة يعود إلى المصدر المفهوم من أنزلنا. أى : ومثل ذلك الإنزال المعجز البديع ، أنزلنا إليك الكتاب ـ أيها الرسول الكريم ـ ليكون هداية للناس ، فالذين آتيناهم الكتاب الشامل للتوراة والإنجيل وعقلوه وفتحوا قلوبهم للحق ، يؤمنون بهذا الكتاب الذي نزل عليك ، وهو القرآن.
فالمراد بالذين أوتوا الكتاب : المؤمنون منهم كعبد الله بن سلام وأمثاله. والمراد بالكتاب جنسه. والضمير في «به» يعود إلى القرآن الكريم الذي أنزله الله على رسوله محمد صلىاللهعليهوسلم وخص هؤلاء المؤمنين منهم بإيتاء الكتاب ، على سبيل المدح لهم. لأنهم انتفعوا بما أوتوه من علم وعملوا بمقتضاه ، أما غيرهم ممن بقي على كفره ، فلكونه لم ينتفع بما في الكتاب من هدايات ، فكأنه لم يره أصلا.
وقوله : (وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ) أى : ومن هؤلاء العرب الذين أرسلت إليهم ـ أيها الرسول الكريم ـ من يؤمن بهذا القرآن الذي أنزلناه إليك.
و «من» للتبعيض ، لأنهم لم يؤمنوا جميعا ، وإنما آمن منهم من هداه الله ـ تعالى ـ إلى الصراط المستقيم.
(وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا) الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا ، وعلى صدقك فيما تبلغه عنا ، (إِلَّا الْكافِرُونَ) أى : إلا الموغلون في الكفر ، المصرون عليه إصرارا تاما.
والجحود : إنكار الحق مع معرفة أنه حق.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٣ ص ٢٥٠.