وعبر عن الكتاب بالآيات ، للإشعار بأنها في غاية الظهور والدلالة على كونها من عند الله ـ تعالى ـ ، وأنه ما يكذب بها إلا من غطى الحق بالباطل عن تعمد وإصرار.
فأنت ترى أن الآية الكريمة قد بينت أن من الناس من قابل هذا القرآن بالتصديق والإذعان ، ومنهم من قابله بالجحود والنكران.
ثم ساق ـ سبحانه ـ أبلغ الأدلة وأوضحها على أن هذا القرآن من عنده ـ تعالى ـ ، فقال : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ ، وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ، إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ).
أى : أنت ـ أيها الرسول الكريم ـ ما كنت في يوم من الأيام قبل أن ننزل عليك هذا القرآن ـ تاليا لكتاب من الكتب ، ولا عارفا للكتابة ، ولو كنت ممن يعرف القراءة والكتابة ، لارتاب المبطلون في شأنك ، ولقالوا إنك نقلت هذا القرآن بخطك من كتب السابقين.
و (مِنْ) في قوله (مِنْ كِتابٍ) لتأكيد نفى كونه صلىاللهعليهوسلم قارئا لأى كتاب من الكتب قبل نزول القرآن عليه.
وقوله : (وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ) لتأكيد نفى كونه صلىاللهعليهوسلم يعرف الكتابة أو الخط.
قال الإمام ابن كثير : وهكذا صفته صلىاللهعليهوسلم في الكتب المتقدمة ، كما قال ـ تعالى ـ : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ ، الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ) .. وهكذا كان صلوات الله وسلامه عليه ـ إلى يوم القيامة ، لا بحسن الكتابة ، ولا يخط سطرا ولا حرفا بيده ، بل كان له كتاب يكتبون بين يديه الوحى والرسائل إلى الأقاليم ...» (١).
والمراد بالمبطلين ، كل من شك في كون هذا القرآن من عند الله ـ تعالى ـ ، سواء أكان من مشركي مكة أم من غيرهم.
وسماهم ـ سبحانه ـ مبطلين ، لأن ارتيابهم ظاهر بطلانه ومجانبته للحق ، لأن الرسول صلىاللهعليهوسلم قد لبث فيهم قبل النبوة أربعين سنة ، يعرفون حسبه ونسبه ، ويعلمون حق العلم أنه أمى لا يعرف الكتابة والقراءة.
ثم بين ـ سبحانه ـ حقيقة هذا الكتاب المعجز فقال : (بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ.) ...
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٢٩٥.