مَوْتِها) أى : بأن يحولها من أرض جدباء هامدة إلى أرض خضراء زاخرة بالنبات (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) هذه الإرشادات ، ويستعملون عقولهم في الخير لا في الشر ، وفي الحق لا في الباطل ، وفي استنباط المعاني الدالة على كمال قدرة الله ـ تعالى ـ ورحمته.
ثم ذكر ـ سبحانه ـ آية سادسة فقال : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ) والمراد بقيامهما : ثباتهما وبقاؤهما بتلك الصورة العجيبة البديعة.
أى : ومن آياته ـ سبحانه ـ الدالة على كمال قدرته ، خلقه للسموات وللأرض ، وإبقاؤه لهما على هذه الصورة البديعة ، وقيامهما وثباتهما واستمساكهما على تلك الهيئة العجيبة ، وذلك كله بإرادته وأمره ومشيئته.
قال ابن كثير : وشبيه بذلك قوله ـ تعالى ـ : (وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ). وقوله : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا). وكان عمر بن الخطاب. رضى الله عنه ـ إذا اجتهد في اليمين قال : لا ، والله الذي تقوم السماء والأرض بأمره ، أى : هي قائمة ثابتة بأمره وتسخيره إياها (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ) بيان لامتثالهم لأمره بدون تقاعس ، عند ما يدعوهم الداعي للخروج من قبورهم للبعث والحساب. و «ثم» بعدها كلام محذوف ، و «إذا» الأولى شرطية ، والثانية فجائية ، والداعي هو إسرافيل بأمر الله ـ تعالى ـ : وقوله : (مِنَ الْأَرْضِ) متعلق بقوله (دَعاكُمْ).
أى : ثم بعد موتكم ووضعكم في قبوركم ، إذا دعاكم الداعي دعوة واحدة من الأرض التي أنتم مستقرون فيها ، إذا أنتم تخرجون من قبوركم مسرعين بدون تلبث أو توقف ، كما يجيب المدعو المطيع دعوة الداعي المطاع.
قال صاحب الكشاف : وإنما عطف هذه الجملة على قيام السموات والأرض بثم ، بيانا لعظم ما يكون من ذلك الأمر ، واقتداره ـ سبحانه ـ على مثله وهو أن يقول : يا أهل القبور قوموا ، فلا تبقى نسمة من الأولين والآخرين إلا قامت تنظر ، كما قال ـ تعالى ـ : (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ) (٢).
وكما في قوله ـ سبحانه ـ : (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ. فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) (٣) وكما في قوله ـ عزوجل ـ : (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ. وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً) (٤).
__________________
(١) سورة النحل. الآية ١٢٥.
(٢) تفسير فتح القدير ج ٤ ص ٢٠٥.
(٣) سورة النازعات الآيتان ١٣ ، ١٤.
(٤) سورة الإسراء الآية ٥٢.