قال صاحب الكشاف : الألسنة : اللغات. او أجناس النطق واشكاله. خالف ـ عزوجل ـ بين هذه الأشياء حتى لا تكاد تسمع منطقين متفقين في همس واحد ، ولا جهارة ، ولا حدة ، ولا رخاوة ، ولا فصاحة .. ولا غير ذلك من صفات النطق وأحواله ، وكذلك الصور وتخطيطها ، والألوان وتنويعها ، ولاختلاف ذلك وقع التعارف ، ولو اتفقت وتشاكلت ، وكانت ضربا واحدا ، لوقع التجاهل والالتباس ، ولتعطلت مصالح كثيرة ... وهم على الكثرة التي لا يعلمها إلا الله مختلفون متفاوتون (١).
(إِنَّ فِي ذلِكَ) الذي وضحناه لكم (لَآياتٍ) بينات (لِلْعالِمِينَ) ـ بفتح اللام ـ وهي قراءة الجمهور ، أى : إن في ذلك لآيات لجميع أصناف العالم من بار وفاجر ، ومؤمن وكافر.
وقرأ حفص ـ بكسر اللام ـ أى : إن في ذلك لآيات لأولى العلم والفهم من الناس.
ثم ذكر ـ سبحانه ـ آية رابعة فقال : (وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ) أى : نومكم (بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ) لراحة أبدانكم وأذهانكم ، (وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ) أى : وطلبكم أرزاقكم فيهما من فضل الله وعطائه الواسع.
قال الجمل : قيل في الآية تقديم وتأخير ، ليكون كل واحد مع ما يلائمه ، والتقدير : ومن آياته منامكم بالليل وابتغاؤكم من فضله بالنهار ، فحذف حرف الجر لاتصاله بالليل ، وعطف عليه ، لأن حرف العطف قد يقوم مقام الجار ، والأحسن أن يجعل على حاله ، والنوم بالنهار مما كانت العرب تعده نعمة من الله ولا سيما في أوقات القيلولة في البلاد الحارة» (٢).
(إِنَّ فِي ذلِكَ) كله (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) هذه التوجيهات سماع تدبر وتفكر واعتبار فيعملون بما يسمعون.
ثم ساق ـ سبحانه ـ آية خامسة فقال : ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا.
أى : ومن آياته ـ سبحانه ـ الدالة على قدرته ، أنه يريكم البرق ، فتارة تخافون مما يحدث بعده من صواعق متلفة ، وأمطار مزعجة ، وتارة ترجون من ورائه المطر النافع ، والغيث المدرار.
وانتصاب «خوفا وطمعا» على أنهما مفعول لأجله ، أى : يريكم ذلك من أجل الخوف والطمع ، إذ بهما يعيش المؤمن حياته بين الخوف والرجاء ، فلا يبطر ولا ييأس من رحمة الله. (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً) كثيرا (فَيُحْيِي بِهِ) أى : بسبب هذا الماء (الْأَرْضَ بَعْدَ
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٤٣٣.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ٢٨٩.