أى : ذلك الإيتاء لهؤلاء الثلاثة ، خير وأبقى عند الله ـ تعالى ـ للذين يريدون بصدقتهم وإحسانهم وجه الله ، وأولئك المتصفون بتلك الصفات الحميدة ، هم الكاملون في الفلاح ، والظفر بالخير في الدنيا والآخرة.
وبعد أن حضهم على صلة الأقارب والمساكين وابن السبيل ، نفرهم من تعاطى الربا فقال : (وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ).
والربا : الزيادة مطلقا. يقال : ربا الشيء يربو إذا زاد ونما ، ومنه قوله ـ تعالى ـ : (وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً ، فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ). أى : زادت.
قال الآلوسى ما ملخصه : والظاهر أن المراد بالربا هنا ، الزيادة المعروفة في المعاملة التي حرمها الشارع. ويشهد لذلك ما روى عن السدى ، من أن الآية نزلت في ربا ثقيف ، كانوا يرابون ، وكذلك كانت قريش تتعاطى الربا.
وعن ابن عباس وغيره : أن المراد به هنا العطية التي يتوقع بها مزيد مكافأة ، وعليه فتسميتها ربا مجاز ، لأنها سبب للزيادة (١).
ويبدو لنا أن المراد بالربا هنا ، الربا الذي حرمه الله ـ تعالى ـ بعد ذلك تحريما قاطعا ، وأن المقصود من الآية التنفير منه على سبيل التدرج ، حتى إذا جاء التحريم النهائى له ، تقبلته نفوس الناس بدون مفاجأة لهذا التحريم.
قال صاحب الكشاف : هذه الآية في معنى قوله ـ تعالى ـ (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ). سواء بسواء. يريد : وما أعطيتم أكلة الربا (مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي) أموالهم ، أى : ليزيد ويزكو في أموالهم ، فلا يزكو عند الله ولا يبارك فيه (٢).
ثم حض ـ سبحانه ـ على التصدق في سبيله فقال : (وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ) أى من صدقة تتقربون بها إلى الله ، و (تُرِيدُونَ) بأدائها (وَجْهَ اللهِ) أى : رضاه وثوابه.
(فَأُولئِكَ) الذين يفعلون ذلك (هُمُ الْمُضْعِفُونَ) أى : ذوو الأضعاف المضاعفة من الثواب والعطاء الكريم ، فالمضعفون جمع مضعف ـ بكسر العين ـ على أنه اسم فاعل من أضعف ، إذا صار ذا ضعف ـ بكسر فسكون ـ كأقوى وأيسر ، إذا صار ذا قوة ويسار.
وقال ـ سبحانه ـ : (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) ولم يقل : فأنتم المضعفون ، لأنه رجع
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢١ ص ٤٥.
(٢) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٤٨١.