حقيقة ذلك من المراد والوقت حاجة (١) في أمر الدين ـ لكان يبين ذلك ، أو يرد في ذلك عن [رسول الله](٢) صلىاللهعليهوسلم لكن العلم بحقيقة ذلك إذ هو علم الشهادة بما ليس لنا ، وعلينا بالوصول [عمل تكلف ، ولا تكلف الشهادة بوقت القول ، وهو متمكن فيه فحقه أن يتأمل وجه الحكمة في ذكر القصة وما فيها من الحجة في أمر الدين](٣) ، فهو ـ والله أعلم ـ يخرج على وجوه :
أحدها : على جعل ذلك حجة لرسالة رسوله ؛ إذ هو من أنباء الغيب ، ونبي الله نشأ بمكة ولم يكن ثم من يعلمه (٤) ذلك ، ولا فارق قومه واختلف إلى من عنده علم الأنبياء بتوارثهم كتب الأنبياء ، ولا كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم ممن يخط بيمينه أو يقف على المكتوب ؛ دل أنه علمه بالله سبحانه وتعالى ، مع ما كان في القصة حجج التوحيد ودفع عبادة الأصنام وتسفيه أهل ذلك ، فلم يحتمل أن يكون تعليم مثل ذلك من الدافعين لذلك المدعين على إبراهيم اليهودية والنصرانية ؛ وبعد فإن كتبهم بغير لسانه ، وفي العبارة بلسان [غيره] توهم (٥) الاختلاف والتغيير ، فلا يحتمل الاحتجاج بمثله بما يحتمل الإنكار والدفع.
[الثاني](٦) : وفيه استعطاف قوم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ إذ هم من ذرية إبراهيم ـ عليهالسلام ـ بما يدعوهم إلى دين آبائهم ، مع ما كانوا هم أصحاب تقليد وحفظ آثار الآباء ، فألزمهم (٧) القول في آبائهم بما لا مدفع لهم القول بغير الذي قلدوا ؛ إذ إبراهيم ـ عليهالسلام ـ عند جميع المشركين إمام يؤتم به أحق من كل أب ، مع ما كان كل مولود على دينه مذكورا محفوظا في الخلق ، ومن خالفهم فهو ممحوق الاسم والذكر جميعا ، فكان في ذلك أعظم الدليل أن هؤلاء من الأنبياء أحق بالتقليد (٨) من الذين اتبعوه ؛ وعلى ذلك اتفاق أهل الكتاب على موالاة إبراهيم من غير أن تهيأ لهم دفع ما أثبت رسول الله صلىاللهعليهوسلم من توحيده ، ولا ما قرره عندهم من دينه بشيء يجدونه خلافا لذلك في كتبهم.
والثالث : أن إبراهيم ـ عليهالسلام ـ صرف معرفة الرب من جهة خلقه ، ودان بدينه من جهة النظر في الآيات والبحث عنها ، دون أن يقلد أباه أو قومه ؛ ليعرف سبيل طلب
__________________
(١) في أ : الحاجة.
(٢) في ب : رسوله.
(٣) سقط في أ.
(٤) في ب : يعلم.
(٥) في أ : يوهم.
(٦) سقط في أ.
(٧) في ب : وألزمهم.
(٨) في ب : الثقلين.