عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ) على أن سؤاله ليس بسؤال استخبار واستظهار له ؛ ولكن سؤال توبيخ وتقرير ، أو سؤال شهادة ؛ وعلى هذا يخرج الابتلاء منه والامتحان ؛ لتقرير الأمر والنهي ، لا لإظهار شيء خفي عليه ، وإن كان في الشاهد يكون كذلك (١).
أو أن يصير ما قد خفي عليهم باديا ظاهرا عندهم ؛ فسمى ذلك الأمر منه والنهي ؛ ابتلاء وامتحانا ؛ لما [هو] عند الخلق ابتلاء وامتحان ، وإن كان عند الله لا يحتمل ذلك ؛ فسمي بالذي فيما بينهم ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ).
قال الحسن (٢) : يكون ميزانا (٣) له كفتان يوزن فيه الحسنات والسيئات ؛ فمن ثقلت موازينه دخل الجنة ، ومن خفت موازينه دخل النار.
وقال غيره (٤) من أهل التأويل : يريد ب «الموازين» الحسنات والسيئات نفسها ؛ فمن رجحت حسناته على سيئاته دخل الجنة ، ومن رجحت سيئاته على حسناته دخل النار. إلى هذا ذهب (٥) أكثر أهل التأويل ، ولا يحتمل ما قالوا.
أما قول الحسن : ميزان له كفتان يوزن فيه الحسنات والسيئات ـ لا يحتمل ؛ لأنه قال : (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). إذا ثقلت (٦) إحدى الكفتين (٧) خفت الأخرى ، وإذا خفت إحداهما ثقلت الأخرى ؛ فكل واحدة (٨) منهما فيمن تثقل موازينه وتخف ، وقد أخبر في الآية أن من ثقلت موازينه (٩) فأولئك هم المفلحون ، ومن خفت
__________________
(١) في أ : لذلك.
(٢) ذكره بمعناه السيوطي في الدر (٣ / ١٢٩) وعزاه لابن المنذر واللالكائي عن عبد الملك بن أبي سليمان عن الحسن ، به.
(٣) في أ : ميزان.
(٤) ذكره أبو حيان في البحر المحيط (٤ / ٢٧٠) ونسبه إلى مجاهد والضحاك والأعمش وغيرهم.
(٥) في ب : يذهب.
(٦) في ب : ثقل.
(٧) في أ : الكفتان.
(٨) في ب : واحد.
(٩) الذي يوضع في الميزان يوم القيامة ، قيل : الأعمال وإن كانت أعراضا إلا أن الله تعالى يقلبها يوم القيامة أجساما.
قال البغوي : يروى هذا عن ابن عباس ، كما جاء في الصحيح أن «البقرة» و «آل عمران» يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان ، أو فرقان من طير صواف. ومن ذلك في الصحيح قصة القرآن ، وأنه يأتي صاحبه في صورة شاب شاحب اللون ، فيقول : من أنت؟ فيقول : أنا القرآن ـ