من مجيئه مجيء الخلق ؛ لأن استواء الخلق هو انتقال من حال إلى حال ، ولا يجوز أن يفهم منه ذلك ، على ما لم يفهم من زينة الله.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِ).
يشبه أن تكون هذه الآية مقابل قوله : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى) [النحل : ٩٠] ، كما خرج آخر الآية وهو قوله : (وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ) [النحل : ٩٠] مقابل الأول وهو قوله : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) ، والنهي [هناك نهي](١) تحريم [كالتنصيص على التحريم هاهنا](٢) ، وتكون الفحشاء التي ذكر في هذه الآية الفواحش التي ذكر في تلك ، والمنكر الذي ذكر هاهنا هو الإثم الذي ذكر في تلك ، وذكر البغي هاهنا وهنالك.
ثم الفحشاء : هو الذي ظهر قبحه في العقل ، والسمع (٣).
والمنكر : هو الذي ظهر الإنكار فيه على مرتكبه (٤).
والإثم هو الذي يأثم المرء فيه (٥).
__________________
(١) في ب : هنا.
(٢) سقط في ب.
(٣) الفحشاء : ما تزايد فحشه واشتد نكره ، والفاحشة كذلك ، قال ابن عرفة في قوله : (إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ) [الأعراف : ٣٣]. ـ : هي كل ما نهى الله عنه. والفواحش عند العرب : كل ما قبح ، ومنه : مكان فاحش ، وقد تفحش وتفاحش ، ومنه قول الأنصاري للأحوص :
هل عيشنا بك في زمانك راجع |
|
فلقد تفحش بعدك المتعلل |
قوله : (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ)[النساء : ١٩] قيل : الزنى ، وقيل : اللواطة ، والبذاءة على الزوج أو على أحمائها.
والفاحش : البخيل ، والفاحشة : البخل ، وأنشد لطرفة :
أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي |
|
عقيلة مال الفاحش المتشدد |
وذلك أن البخل من أفحش الفحش ، كقوله عليه الصلاة والسلام : «وأي داء أدوى من البخل؟!». والفحش والتفحش من ذلك.
والمتفحش : الآتي بالفحشاء.
ينظر : عمدة الحفاظ (٣ / ٢٤٦) ، والنهاية (٢ / ٣٢٨).
(٤) أو هو ما ليس فيه رضا الله تعالى من قول أو فعل. ينظر : تعريفات الجرجاني (٢٥٤) ، والكليات (١ / ٢٩١) ، والمصباح المنير (٧٦٦) (نكر) ، والتوقيف (١٠ / ٦).
(٥) اختلفوا في الفرق بينهما ، فقيل : الفواحش : عبارة عن الكبائر ؛ لأن قبحها قد تفاحش أي : تزايد ، والإثم : عبارة عن الصغائر ، والمعنى : أنه حرم الكبائر والصغائر.
وطعن القاضي في ذلك بأن ذلك يقتضي أن يقال : الزنى والسرقة والكفر ليس بإثم ، وهو بعيد ، وأقل الفواحش : ما يجب فيه الحد ، والإثم : ما لا حد فيه.
وقيل : الفاحشة اسم للكبيرة ، والإثم اسم لمطلق الذنب سواء كان صغيرا أو كبيرا ، وفائدته : أنه ـ