وفي قوله : (يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ) له على خلقه منن كثيرة ونعم (١) عظيمة ، حيث بعث الرسل من جنس المرسل إليهم :
أحدها : أن كل ذي جنس وجوهر يستأنس بجنسه وجوهره ، ويستوحش بغيره ، فمنّ عليهم ؛ [حيث بعث](٢) الرسل من جنسهم وجوهرهم ، يستأنس بعضهم ببعض ويألف (٣) بعضهم بعضا ؛ فذلك آخذ للقلوب وأدعى إلى الاتباع والإجابة.
والثاني : بعث الرسل من قومهم الذين نشئوا بين أظهرهم ، وعرفوا صدقهم وأمانتهم ؛ ليعلموا أنهم صادقين فيما يدعون من الرسالة ؛ حيث لم يظهر منهم الكذب والخيانة قط ، حتى لم يأخذوا على أحد منهم الكذب.
والثالث : أن الرسل لو كانوا من غير جنسهم وغير جوهرهم ، لم يعرفوا ما أوتوا من الآيات والبراهين أنها آيات وحجج ؛ لما لا يعلمون أن وسعهم لا يبلغ هذا ، وطوقهم لا يصل إلى ذلك ، وإذا كانوا منهم يعرفون ذلك إن (٤) أتوا بشيء خرج عن وسعهم أنها آيات.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا).
قال الحسن : ديننا. ويحتمل (بِآياتِنا) حججنا [أي : كذبوا بحججنا](٥) فإذا كذبوا بحججه كفروا به ؛ لأنه ـ عزوجل ـ لا يعرف من طريق الحس والعيان ؛ ولكن إنما يعرف من طريق الحجج والآيات والدلائل ؛ فيكون الكفر بآياته وحججه كفرا به ، ويشبه أن تكون (٦) آياته آيات الرسالة وحججها.
ويحتمل آياته ـ هاهنا ـ رسله ، أي : كذبوا برسلنا ، سمى رسله آياته ؛ لأن أنفس الرسل كانت آيات للخلق تدلهم على وحدانية الله ، ورسالتهم من أعلام جعلت من أنفسهم من صدقهم وأماناتهم.
(وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها).
أي : استكبروا عن التدبر فيها والنظر.
__________________
ـ لكن الاستنكاف ـ والأنفة ـ لا يضاف إلى الله تعالى ، والاستكبار يضاف ، فهما من هذا المعنى مختلفان ، وأما في الحقيقة فهما واحد ، والله أعلم.
(١) في ب : نعمة.
(٢) في ب : فبعث.
(٣) في أ : تأليف.
(٤) في ب : إذا.
(٥) سقط في ب.
(٦) في ب : يكون.