كما أن اعتقادهم بنبوة النبي لم يكن يمثل لهم مشكلة كبيرة أيضا. وما اسهل عليهم أن يعتقدوا أن محمدا يكلّم من السماء لو كان الأمر يقتصر على ذلك. بل لقد عرضوا على النبي (ص) أن يملكوه عليهم ، ويعطوه الأموال ، ويزوجوه من شاء. فالقضية إذن بالنسبة إليهم ليست قضية الجاه والمقام النبوي للنبي (ص) ، وحسب.
ولكن المشكلة كل المشكلة ، والكارثة الحقيقية بالنسبة إليهم ، وعلة العلل في رفضهم الانقياد للنبي (ص) هي الاعتقاد بالمعاد ، وبيوم الدين ، والجزاء والحساب ، والثواب والعقاب ، وهي المشكلة التي تحدث عنها الله هنا بقوله" مالك يوم الدين".
ولا يقتصر ذلك على المشركين بل يشاركهم اليهود في هذا الأمر أيضا. فإن حاكمية الله ليوم الدين هو الموضوع الأكثر حساسية ، والأكثر إثارة لهذين الفريقين من الناس ، لأنه هو الموضوع الأكثر حيوية ، وملامسة لحياة الإنسان ، بكل تفاصيلها حتى أخص الخاص منها.
لأن الاعتقاد بالحساب وبالدينونة يقتضي منهم أن يرتبوا حياتهم من جديد ، بطريقة تؤدي إلى السلامة الحقيقية في يوم الدين. ويخرج القرار من يدهم في كبير الأمور وصغيرها ، ويجعلهم ملزمين بامتثال أوامر الله ، الذي عرفوا بعضا من صفات ألوهيته وربوبيته ، ككونه حيا قيوما ، عالما ، قادرا ، رازقا الخ ..