الذي يحمل في داخله الأمان والسّلام ، ليزرعه وليثمر عزا وقوة ، وخيرا وبركة ، وسموا ونبلا ، ..
وهكذا يتضح أن هذا التوحيد في العبادة ، والانطلاق إلى الله سبحانه في رحاب الجماعة بعد أن تسقط جميع الحواجز والموانع والحدود الفردية ، إن هذا ـ ولا شك ـ يفتح أمام هذا الإنسان آفاقا رحبة ، تدعوه إلى الانسياب فيها ، والانفتاح على كل ما تحتضنه في داخلها ، ليتصل هذا الفرد بكل ما هو خارج حدود فرديته ، ليصبح بحجم الإنسان كله ، وبمستوى الإنسانية كلها.
وينطلق كادحا إلى ربه ، وإليه فقط دون كل ما سواه ، تاركا أفقه الضيق والمحدود ، ليستقبل الأفق الأرحب في ملكوت الله ويهوّم في رحابه اللامتناهية. سعيدا بما استطاع أن يحصل عليه من مزايا إنسانية ، سعيد بدرجات القرب من الله تعالى. وبما أكرمه الله به (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ) (١١١).
فهذا التوحيد في العبادة والأفعال قد جعل هذا الإنسان أوسع أفقا وأرحب فكرا ، وأكثر وعيا للحياة ، وسوف ينتج ذلك مزيدا من التأمل والفكر ، ثم العمل الجاد الذي يكون في مستوى هذه النظرة الشمولية والواعية.
__________________
(١١١) سورة الانشقاق الآية ٦.