ورابعا : إنه تعالى في خصوص هذه السورة التي لا بد أن نقرأها في صلاتنا عشر مرات على الأقل يوميا ، يريد أن يجسد لنا الأسوة والقدوة واقعا حيا يمكن أن نترسم خطاه ، ونهتدي بهديه.
وذلك لأن الإنسان ـ بطبيعته ـ يتعامل مع الأمور من خلال حواسه الظاهرية بالدرجة الأولى ، ثم ينتزع من القضايا المحسوسة قضايا تصورية ، ثم يبحث عن قواسمها المشتركة ويسقط خصوصياتها ، ليكتشف المبدأ والنظرية ، والقاسم المشترك ، والقاعدة.
وقد أراد سبحانه لنا هنا : أن يجسد لنا هديه وتعاليمه لننتقل من المضمون الواقعي والحسي ، الغني بالقيم والجمالات ، ليمثل لنا إغراء يدعونا إلى الاندفاع إليه ، والالتزام به ، والتعاطي معه ، من موقع الوعي ، والمشاعر المرتكزة إلى مناشئها ، فنكون أكثر اقتناعا ، وأعمق إيمانا ، وأشد تمسكا والتزاما به. حتى إننا لنضحي من أجله بالغالي والنفيس حين يقتضي الأمر ذلك.
أما إذا اقتصر على المضمون التصوري ، والتخيلي التجريدي ، فإن الاندفاع لن يكون بالمستوى المطلوب ، بل سوف يعاني من حالات التردد والخوف من جدوى أو من إمكانية وواقعية ما يطلب منه. ولن يكون في موقع الرضى والثبات والطمأنينة في الممارسة وفي الموقف.