ثم لا باس بصرف عنان الكلام إلى بيان ما به يمتاز الحرف عما عداه ، بما يناسب المقام ، لاجل الاطراد في الاستطراد في تمام الاقسام.
فاعلم أنه وإن اشتهر بين الاعلام ، أن الحرف ما دل على معنى في غيره ، وقد بيناه في الفوائد بما لا مزيد عليه ، إلا أنك عرفت فيما تقدم ، عدم الفرق بينه وبين الاسم بحسب المعنى ، وأنه فيهما لم يلحظ فيه الاستقلال بالمفهومية ، ولا عدم الاستقلال بها ، وإنما الفرق هو أنه وضع ليستعمل وأريد منه معناه حالة لغيره وبما هو في الغير ، ووضع غيره ليستعمل وأريد منه معناه بما هو هو. وعليه يكون كل من الاستقلال بالمفهومية ، وعدم الاستقلال بها ، إنما اعتبر في جانب الاستعمال ، لا في المستعمل فيه ، ليكون بينهما تفاوت بحسب المعنى ، فلفظ الابتداء لو استعمل في المعنى الآلي ، ولفظة (من) في المعنى الاستقلالي ، لما كان مجازا واستعمالا له في غير ما وضع له ، وإن كان بغير ما وضع له (١)
______________________________________________________
طرف ، ويكون المتكلم في مقام البيان ويكون لها ظهور في ان طرفها هو زمان التكلم ـ كما مر ـ وانما ذكر هذا تأييدا ، لا دليلا ، لجواز ان يدعى ان مراد النحويين من اقتران الفعل بالزمان هو المضي والاستقبال الاضافيان ، وان كان ظاهر كلامهم هو الحقيقيان ، فلا تغفل.
(١) ولعل السبب في تعرضه للمعنى الحرفي في المقام مع انه قد ذكره ـ فيما تقدم ـ مفصلا : هو أنه كما وقع الخطأ في تعريف الفعل باخذ الاقتران في تعريفه ، كذلك وقع الخطأ في فهم مراد من قال : ان الحرف ما دل على معنى في غيره ، بخلاف الاسم : فإنه ما دل على معنى في نفسه ان حقيقة المعنى في الحرف غير حقيقته في الاسم. وهو توهم ، بل المعنى في الحرف وفي الاسم واحد حقيقة ، وان الموضوع له لفظ (من) حقيقة هو الموضوع له لفظ (الابتداء) ، ولا فرق بينهما من ناحية ذات الموضوع له اصلا ، سوى شرط الواضع : استعمال الحروف في مقام كان المعنى ملحوظا بتبع الغير