ثم لا يبعد أن يكون الاختلاف في الخبر والانشاء أيضا كذلك ، فيكون الخبر موضوعا ليستعمل في حكاية ثبوت معناه في موطنه ، والانشاء ليستعمل في قصد تحققه وثبوته ، وان اتفقا فيما استعملا فيه فتأمل (١).
______________________________________________________
فان قلت : ان الطبيعي لمعنى (من) ـ مثلا ـ هو الابتداء ، ونسبة الابتداء الى (من) نسبة الطبيعي الى الفرد.
قلت : الابتداء ليس هو الطبيعي ل (من) ، لان (من) موضوعة لتدل على النسبة القائمة بين المبتدأ به ، والمبتدأ من عنده ، والمتحمل لمبدأ ما به الابتداء هو السير ، وهو من مقولة الحركة ، والمتحمل لمبدأ ما منه الابتداء ، هو البصرة ، و (من) مدلولها النسبة القائمة بين ما به الابتداء ، وما منه الابتداء.
(١) توضيح المطلب : ان الجمل على ثلاثة انواع :
ـ منها ما يختص بالاخبار ، ولا يستعمل في الانشاء ابدا ، كضرب زيد ، وزيد قائم.
ـ ومنها ما يختص بالانشاء ، ولا يستعمل في الاخبار ابدا ، كصيغتي الامر والنهي.
ـ ومنها ما يستعمل تارة في الاخبار ، واخرى في الانشاء ، كبعت ، وملكت فانها تستعمل في الاخبار عن وقوع البيع والتمليك ، واخرى في انشاء البيع والتمليك ، ومثل ايدك الله ، فانها تستعمل للاخبار عن تأييد الله ، وتستعمل للانشاء بقصد الدعاء. وهذه الثالثة هي محل الكلام.
ثم لا يخفى ان الاحتمالات في المقام ثلاثة :
الاول : دخول قصد الحكائية والانشائية في الموضوع له.
الثاني : خروجهما عن الموضوع له اصلا.
الثالث : دخولهما بنحو الاشارة الى ما وضع له : بان يكون قصد الحكاية في الاخبارية مشيرا الى وضع بعت للمعنى في مقام الاخبار ، وقصد الانشائية مشيرا الى وضع بعت للمعنى في مقام قصد ايجاده وثبوته باللفظ.