ذكر ذلك مكرّرا في كتابه «تصحيح الاعتقادات» ردّا على أبي جعفر ابن بابويه الصدوق في بنائه جلّ المعارف على أساس أخبار آحاد لا توجب علما ولا عملا (١). حيث المطلوب في هذا الباب هو العلم ، والخبر الواحد لا يوجب علما. كما أنّ اعتباره إنّما هو من باب التعبّد ، ولا تعبّد في غير العمل الخاصّ بأبواب التكاليف.
لكنّه رحمهالله إنّما أنكر على الصدوق اعتماده على الأحاديث من غير تمحيص ولا تمييز بين صحيحها وسقيمها ، وليس مطلق العمل بالخبر الواحد إذا كان وجيها معلوم الوجاهة. قال في مسألة الإرادة والمشيئة ـ بعد أن ذكر كلام الصدوق فيها ـ : الذي ذكره الشيخ أبو جعفر رحمهالله في هذا الباب ، لا يتحصّل ، ومعانيه تختلف وتتناقض ، والسّبب في ذلك أنّه عمل على ظواهر الأحاديث المختلفة ، ولم يكن ممّن يرى النظر ، فيميّز بين الحقّ منها والباطل ويعمل على ما يوجب الحجّة. ومن عوّل في مذهبه على الأقاويل المختلفة وتقليد الرواة كانت حاله في الضعف ما وصفناه (٢).
وقال في مسألة القضاء والقدر ـ بعد أن ذكر كلام الصدوق في النهي عن الخوض فيها ـ : عوّل أبو جعفر في هذا الباب على أحاديث شواذّ ، لها وجوه يعرفها العلماء ، متى صحّت وثبت إسنادها. ولم يقل فيه قولا محصّلا ، وقد كان ينبغي له ـ لمّا لم يكن يعرف للقضاء معنى ـ أن يهمل الكلام فيه (٣).
إذن لم ينكر الشيخ المفيد جواز التعويل على أخبار الآحاد بصورة مطلقة ، وإنّما أنكر التعويل عليها من غير تمحيص ولا تقويم ، ولا سيّما لمن لم يكن من أهله!
ومن ثمّ نراه هو ، قد اعتمد الكثير من أخبار الأحاد في نفس الكتاب ، حيث وجدها صالحة للاعتماد.
وهكذا نرى أبا المعالي علم الهدى السيد المرتضى رحمهالله إنّما أنكر على الجمهور اعتمادهم أخبار الآحاد من غير رويّة ولا مبالاة (٤) ، أمّا الخبر إذا كان ذا مستند وثيق وكان راويه ممّن يوثق به ولم يكن ممّا يرفضه العقل أو يخالف ظاهر الكتاب ، فهذا ممّا لا منع من التعبّد به ، نظير الإخبار عن
__________________
(١) راجع بالخصوص قوله عن حديث نزول القرآن جملة واحدة إلى البيت المعمور. (مصنّفات الشيخ ٥ : ١٢٣).
(٢) المصدر : ٤٩.
(٣) المصدر : ٥٤.
(٤) راجع : الذّريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ٥١٧ ـ ٥٥٥. ورسالته في إبطال العمل بأخبار الآحاد (رسائل الشريف المرتضى ، المجموعة الثالثة : ٣٠٩ / ٤٨). والفصل الثاني عن أجوبته للمسائل التبّانيّات : ٢١ ـ ٢٩ (المجموعة الأولى).