وكان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى جنب القرآن هو المصدر الآخر لتبيينه وتفسيره ، (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ)(١). وقد ربّى أصحابه على فهم القرآن والاستنباط منه ليكونوا قدوة لسائر الأمّة ومعالم بها يهتدون.
كما تربّى على يديهم الذين اتّبعوهم بإحسان ، فكانوا جميعا مراجع الأمّة ومصادر أولى للفقه والتفسير وكانت أحاديثهم وآراؤهم هي مشاعل وهّاجة تنير درب الهداية ، في كافّة أنحاء الحياة.
هذا ممّا لا مجال للريب فيه إذا بلغتنا أحاديثهم عن طريق متواتر أو محفوف بدلائل اليقين. أمّا إذا كان حديثا واصلا عن طريق الآحاد ، فهل هو على نفس الاعتبار ، أم له شأن آخر؟ الأمر الذي أثار بعض الشبه ، فلنتريّث لديه!
قد يقال : إذا كان اعتبار الخبر الواحد مستندا إلى دليل التعبّد به ، ومن غير أن يوجب علما ، فهذا ممّا لا يجدي نفعا في باب التفسير ، حيث المطلوب هنا هو فهم معاني القرآن ، ولا تعبّد في فهم ، إنّما التعبّد فيما كان المطلوب هو العمل محضا ، وهو خاصّ بباب التكاليف والأحكام. أمّا التفسير فلا مجال للتعبّد فيه. فلا حجّيّة في خبر لم يبلغ مبلغ التواتر أو لم تحفّه قرائن قاطعة ممّا يوجب العلم بمؤدّاه!
قال الشيخ أبو جعفر الطوسي : ولا يجوز لأحد أن يقلّد أحدا منهم (المفسّرين القدامى والمتأخّرين) بل ينبغي أن يرجع إلى الأدلّة الصحيحة ، إمّا العقليّة أو الشرعيّة ، من إجماع أو نقل متواتر ، عمّن يجب اتّباع قوله ، ولا يقبل في ذلك خبر واحد ، خاصّة إذا كان [المورد] ممّا طريقته العلم. ومتى كان التأويل يحتاج إلى شاهد من اللّغة ، فلا يقبل من الشاهد إلّا ما كان معلوما بين أهل اللغة شائعا بينهم ، وأمّا طريقة الآحاد من الرّوايات الشاردة والألفاظ النادرة ، فإنّه لا يقطع بذلك ولا يجعل شاهدا على كتاب الله وينبغي أن يتوقّف فيه (٢).
والأصل في ذلك ما ذكره الشيخ أبو عبد الله المفيد بشأن الرّوايات في باب الاعتقاديّات من أنّ حجّيتها إنّما هي من باب التعبّد بها ، ولا تعبّد فيما سبيله العلم ولا عمل هناك كي يمكن التعبّد فيه. وشأن التفسير شأن أصول المعارف ، حيث المطلوب فيه العلم المبتني على الفهم القاطع ، دون الظنّ والاحتمال.
__________________
(١) النحل ١٦ : ٤٤.
(٢) التبيان ١ : ٦ ـ ٧.