قلت : لا شكّ أنّ للأوراد والأذكار تأثيرا في الشفاء عن الأسقام والآلام ، تأثيرا بإذن الله تعالى ، الذي هو مسبّب الأسباب في عالم الطبيعة. إذ لا مؤثّر في الوجود إلّا الله. والنفس إذا توجّهت بكليّتها إلى مبدأ الإفاضة في الوجود ، اكتسبت روحانيّة ملكوتيّة توجب استعدادها للاستفاضة من بركات الملأ الأعلى المفاضة على سائر الممكنات عبر الآنات.
هذا هو العامل الأساسي لهذا التأثير والتأثّر والترابط الوثيق بين عالمي الملك والملكوت.
(وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ. فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ)(١).
كما لا شكّ أنّنا نعيش في عالم الأسباب والمسبّبات ، من تأثيرات وتأثّرات هي رهن عوامل طبيعيّة واقعة تحت نظام عام حكيم وهي سنّة الله التي جرت في الخلق. ولكن هذا لا يعني الاستغناء عن الاستفاضة من عالم الملكوت ، فلا تأثير ولا تأثّر في سنن الطبيعة إلّا وهو بحاجة إلى إذنه تعالى بالإفاضة من جانبه تعالى. (أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ. أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ)(٢). (وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ)(٣).
إذن فتأثير الدعاء في مجال الطبيعة ومجاريها ، هو استعطاف جانب لطفه تعالى في الإفاضة على التأثيرات على الوجه الأصلح في التقدير والتدبير ليجعل من الدواء الناجع شفاء من الداء ورفعا أو دفعا للأسقام والآلام.
فلم يكن من شأن الدعاء ، عزل الطبيعة عن التأثير ، كلّا ، وإنّما هو استجلاب لعطفه تعالى أن يمنحها التوفيق في مسيرتها نحو الكمال بسلام.
على أنّ الابتهال إلى الله ، يزداد الداعي قوّة روحيّة ، تجعله على رجاء دون اليأس ، وتمنحه اطمئنانا نفسيّا دون الاضطراب ، الأمر الذي يجعل من الحياة ذات أمن وراحة ، وكان ملؤها البهجة والحيويّة والسرور. (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)(٤).
لكنّ هناك ـ للابتهال إلى الله بالأدعية والأذكار ـ شروطا ، أهمّها : العقيدة والإخلاص ، والإيقان بكونه مأثورا ، سواء أفي أصله أم في كيفيّة ورده ، حتّى يكون مشروعا في التوسّل به إلى الله تعالى.
ذلك أنّ هذه الأدعية والأذكار ، هي الوسائل للبلوغ إلى أعتابه تعالى المقدّسة ، ولا يعرف الطريق إليه تعالى إلّا من قبله ومن تعريفه إيّاه ، إذ لا يعرف السبيل إليه إلّا منه وعلى يد أوليائه العظام.
__________________
(١) الذاريات ٥١ : ٢٢.
(٢) الواقعة ٥٦ : ٦٤.
(٣) البقرة ٢ : ١٠٢.
(٤) الرعد ١٣ : ٢٨.