فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ. وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ. إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)(١).
[م / ١٨٥] قال : وقد أخرج الترمذيّ عن أبيّ بن كعب ، قال : أصيب في أحد من الأنصار أربعة وستّون ومن المهاجرين ستّة منهم حمزة. وقد مثّل بهم. فقالت الأنصار : لئن أصبنا منهم يوما مثل هذا لنربينّ عليهم. فلمّا كان يوم فتح مكّة أنزل الله هذه الآيات (٢).
هذا مع العلم أنّ سورة النحل بكاملتها نزلت بمكّة قبل الهجرة ، الأمر الذي يكشف عن غفوة واضع هذه الأحاديث التي تتنافي وقدسيّة شأن الرسول وصحابته الأبرار ، فلا يتجاوزون حدود ما أنزل الله ، ولا يزلّ بهم هوسات النفس ولا همزات الشياطين.
هذا وقد أحسّ السيوطي بوهنها ، فحاول علاجها بافتراض نزول الآيات ثلاث مرات : قبل الهجرة ، وبعدها بأحد ، ثمّ يوم فتح مكة (٣).
يا لله! الكذبة الفادحة تتبعها كذبات!!
[م / ١٨٦] قال : وأخرج الطبراني وابن أبي شيبة (بإسناد فيه جهالة) (٤) عن حفص بن ميسرة روى عن أمّه ، أنّها روت عن أمّها خولة ، وقد كانت خادم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أنّ جروا دخل بيت النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فدخل تحت السرير فمات. فمكث النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أربعة أيّام لا ينزل عليه الوحي ، فقال : يا خولة ، ما حدث في بيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، جبرئيل ما يأتيني!! فقلت في نفسي : لو هيّأت البيت ، فكنسته فأهويت بالمكنسة تحت السرير فأخرجت الجرو.
قالت : فجاء النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وترتعد لحياه ، وكان إذا نزل عليه الوحي أخذته الرعدة ، فأنزل الله : (وَالضُّحى) ـ إلى قوله ـ (فَتَرْضى)(٥).
قال ابن حجر : قصّة إبطاء جبرائيل بسبب كون الكلب تحت سريره صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يشعر به ، مشهورة ، لكنّ كونها سبب نزول هذه الآيات غريب ، بل شاذّ مردود (٦).
على أنّ القصّة المزعومة مدنيّة ، والسورة مكّيّة بلا خلاف.
__________________
(١) الآية من آخر سورة النحل ـ وهي مكّيّة النزول. شعب الإيمان ٧ : ١٢٠ / ٩٧٠٣.
(٢) الترمذي ٤ : ٣٦١ ـ ٣٦٢ / ٥١٣٦.
(٣) لباب النقول : ١٦٧.
(٤) ذكره ابن حجر (فتح الباري ٨ : ٥٤٥).
(٥) لباب النقول : ١٦٧ ؛ الكبير ٢٤ : ٢٤٩ / ٦٣٦.
(٦) فتح الباري ٨ : ٥٤٥.