وقال محيي الدين ابن عربي ـ في مفتتح سورة البقرة ـ : أشار بهذه الحروف الثلاثة إلى كلّ الوجود من حيث هو كلّ ، لأنّ «أ» إشارة إلى ذات الذي هو أول الوجود ، و «ل» إلى العقل الفعّال المسمّى جبرئيل ، وهو أوسط الوجود الذي يستفيض من المبدأ ويفيض إلى المنتهى ، و «م» إلى محمّد الذي هو آخر الوجود ، تمّ به دائرته وتتّصل بأولها (١).
* * *
أنها مجرّد أسماء حروف وأصوات هجاء ، لا تحمل في طيّها معنى ولا تحتوي على سرّ مكنون ، سوى أنّ إيراد هذه الأحرف بهذا النمط وفي ذلك المقطع من الزمان يهدف إلى غرض وحكمة بالغة ، وإن كانت لا تعدو اعتبارات لفظيّة محضة.
وهذا نظير ما مرّ عن الزمخشري في بيان حكمة ذلك ، وقوله أخيرا : فسبحان الذي دقّت في كلّ شيء حكمته.
وكذا قول بعضهم : إنّ لهكذا أصوات في بدء التلاوة كان تأثير بالغ في انتباه السامعين لينصتوا إلى قراءة الذكر الحكيم. حيث كانت العرب إذا سمعوا القرآن يتلى قالوا : (لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ)(٢).
وهكذا القول بأنّها أقسام. أقسم الله بها كما أقسم بأشياء كالفجر والضحى والتين والزيتون. فقد أقسم بأسماء الحروف الهجائيّة ، لأنّها الأصل في كلّ كلام والأساس لكلّ بيان في أيّة لغة من اللغات.
* * *
وذكر الزمخشري وجوها ثلاثة في تأويل هذه الحروف ، أحدها ـ وزعم أنّ عليه إطباق الأكثر ـ : أنّها أسماء السور (٣).
وهكذا قال الإمام الرازي : والمختار عند أكثر المحقّقين ـ من هذه الأقوال (٤) ـ أنّها أسماء السور باعتبار أنّها أسماء ألقاب (٥).
لكن يرد عليهما : أنّه كيف جعلت أسامي لتسع وعشرين سورة فحسب ، وأمّا باقي السور فخلو عن هذه التسمية الغريبة!! ثمّ ما هي المناسبة لتسمية ستّ سور (الم) : (البقرة. آل عمران.
__________________
(١) تفسيره المختصر ١ : ١٣.
(٢) فصّلت ٤١ : ٢٦.
(٣) الكشاف ١ : ٢١.
(٤) وقد عدّها إلى أحد وعشرين قولا. التفسير الكبير ١ : ٥ ـ ٨.
(٥) المصدر : ٨.