خثيم قال : إن الله تعالى أنزل هذا القرآن فاستأثر منه بعلم ما شاء ، وأطلعكم على ما شاء ، فأما ما استأثر به لنفسه فلستم بنائليه فلا تسألوا عنه ، وأما الذي أطلعكم عليه فهو الذي تسألون عنه وتخبرون به ، وما بكل القرآن تعلمون ، ولا بكل ما تعلمون تعملون. قال أبو بكر : فهذا يوضّح أنّ حروفا من القرآن سترت معانيها عن جميع العالم ، اختبارا من الله عزوجل وامتحانا ؛ فمن آمن بها أثيب وسعد ، ومن كفر وشكّ أثم وبعد.
وقال جمع من العلماء كبير : بل يجب أن نتكلّم فيها ، ونلتمس الفوائد التي تحتها ، والمعاني التي تتخرّج عليها ؛ واختلفوا في ذلك على أقوال عديدة ؛ فروي عن ابن عبّاس : أنّ الحروف المقطّعة في القرآن اسم الله الأعظم ، إلّا أنّا لا نعرف تأليفه منها. وقال قطرب والفرّاء وغيرهما : هي إشارة إلى حروف الهجاء أعلم الله بها العرب حين تحدّاهم بالقرآن ، أنّه مؤتلف من حروف هي التي منها بناء كلامهم ؛ ليكون عجزهم عنه أبلغ في الحجّة عليهم إذ لم يخرج عن كلامهم. قال قطرب : كانوا ينفرون عند استماع القرآن ، فلمّا سمعوا : (الم) و (المص) استنكروا هذا اللفظ ، فلما أنصتوا له صلىاللهعليهوآلهوسلم أقبل عليهم بالقرآن المؤتلف ، ليثبته في أسماعهم وآذانهم ويقيم الحجّة عليهم. وقال قوم : روي أن المشركين لمّا أعرضوا عن سماع القرآن بمكة وقالوا : (لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ)(١) نزلت ليستغربوها فيفتحون لها أسماعهم فيسمعون القرآن بعدها فتجب عليهم الحجّة. وقال جماعة : هي حروف دالة على أسماء أخذت منها وحذفت بقيّتها ؛ كقول ابن عبّاس وغيره : الألف من الله ، واللام من جبريل ، والميم من محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وقيل : الألف مفتاح اسمه : الله ، واللام مفتاح اسمه : لطيف ، والميم مفتاح اسمه : مجيد. وروى أبو الضّحى عن ابن عبّاس في قوله : (الم) قال : أنا الله أعلم ، (الر) أنا الله أرى ، (المص) أنا الله أفصّل. فالألف تؤدّي عن معنى أنا ، واللام تؤدّي عن اسم الله ، والميم تؤدّي عن معنى أعلم. واختار هذا القول الزجّاج وقال : أذهب إلى أنّ كلّ حرف منها يؤدّي عن معنى ؛ وقد تكلّمت العرب بالحروف المقطّعة نظما لها ووضعا بدل الكلمات التي الحروف منها ، كما سبق (٢).
وإليك أمّهات الأقوال في هذه الحروف ـ حسبما ورد في الروايات ـ :
__________________
(١) فصّلت ٤١ : ٢٦.
(٢) القرطبي ١ : ١٥٤ ـ ١٥٥.