جمعته (١). وذلك الماء المجموع : قريّ. والمقراة : الجفنة ، لاجتماع الضيف عليها ، أو لما جمع فيها من طعام. قال : وإذا همز ، كان هو والأوّل سواء. يقولون : ما قرأت هذه الناقة سلى (٢) ، كأنّه يراد أنّها ما حملت قطّ. قال الشاعر ـ وهو عمرو بن كلثوم في معلّقته المشهورة ـ :
ذراعي عيطل أدماء بكر |
|
هجان اللّون لم تقرأ جنينا (٣) |
قالوا : ومنه القرآن ، كأنّه سمّي بذلك لجمعه ما فيه من الأحكام والقصص وغير ذلك (٤).
وعليه فالقرآن مأخوذ من قرأ يقرأ قراءة وقرآنا وكانت همزته مقلوبة من واو ، لأنّه من القرى بمعنى الجمع. قال ابن الأثير : تكرّر في الحديث ذكر القراءة والاقتراء والقارئ والقرآن ، والأصل في هذه اللفظة الجمع ، وكلّ شيء جمعته فقد قرأته. وسمّي القرآن ، لأنّه جمع القصص والأمر والنهي والوعد والوعيد والآيات والسور بعضها إلى بعض. وهو مصدر كالغفران والكفران (٥).
وقد جاء استعماله مهموزا في اللغة وفي القرآن والحديث وكذا في كلام العرب رائجا. قال الشاعر (٦) :
هنّ الحرائر ، لا ربّات أخمرة |
|
سود المحاجر ، لا يقرأن بالسّور |
أي لا يتلون السور ، بزيادة الباء. قال ابن منظور : المعنى عندهم : لا يقرأن السّور (٧) وهكذا قال ابن سيده : إنّه أراد : لا يقرأن السّور ، فزاد الباء (٨).
فكانت القراءة كالكتابة ، في أصلهما بمعنى الجمع ، غير أنّ الكتابة جمع الحروف ونظم الكلمات في الخطّ. والقراءة جمعها في اللفظ.
__________________
(١) قال الخليل : شبه حوض ضخم يقرى فيه من البئر ثمّ يفرّغ منه في قرو ومركن أو حوض. والجماعة : مقاري. (كتاب العين ٥ : ٢٠٤).
(٢) السّلى : جلدة يكون في ضمنها الولد في بطن أمّه.
(٣) العيطل : الطويلة العنق من النوق. الأدماء : البيضاء منها. والأدمة : البياض في الإبل. البكر : الناقة التي حملت بطنا واحدا. ويروى بكر ـ بفتح الباء ـ وهو الفتيّ من الإبل. وبكسر الباء أعلى الروايتين. ولم تقرأ جنينا أي لم تضمّ في رحمها ولدا. (شرح المعلقات للزوزني : ١٢٠ ـ ١٢١). وقال ابن دريد : أي لم تجمع في رحمها ماء الفحل. (جمهرة اللغة ١ : ٢٢٩).
(٤) مقاييس اللغة ٥ : ٧٨ ـ ٧٩.
(٥) النهاية ٤ : ٣٠.
(٦) هو عبيد بن حصين أبو جندل النميري المعروف بالراعي ، لكثرة وصفه الإبل في شعره. كان من فحول الشعراء الإسلاميين ، توفّي حدود التسعين للهجرة ، عاصر الفرزدق وجريرا. (الوافي بالوفيات ـ للصفدي ١٩ : ٢٨٣).
(٧) لسان العرب ٣ : ٣٨٩ (لحد). و ٤ / ٣٨٦ (سور). و ١ : ١٢٨ (قرأ).
(٨) المحكم ٦ : ٤٦٩ ـ ٤٧٠.