قال : وكلّ من نشير إليه منهم إذا سألته عن سبب اعتقاده التوحيد والعدل أو النبوّة والإمامة ، أحالك على الروايات وتلا عليك الأحاديث. فلو عرف هذه المعارف بجهة صحيحة ، لما أحال في اعتقاده إذا سئل عن جهة علمها (١).
وعليه فالمذهب الصحيح في تمحيص الأخبار هو ما ذهب إليه شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي رحمهالله في كتابه «الاستبصار» : قسّم الخبر إلى متواتر يوجب تواتره العلم بصحّة مؤدّاه ، وخبر آحاد حفّت به قرائن قطعيّة تلحقه بالمتواتر ، وخبر آحاد عري من القرائن ، غير أنّه ممّا رواه الثقات ولم يكن ما يوجب وهنه ، فهذا أيضا يجب العمل به على أصولنا.
قال : واعلم أنّ الأخبار على ضربين : متواتر وغير متواتر ، فالمتواتر منها ما أوجب العلم. فما هذا سبيله يجب العمل به ، من غير توقّع شيء ينضاف إليه ولا أمر يقوى به ولا يرجّح به على غيره. وما يجري هذا المجرى لا يقع فيه التعارض ولا التضادّ في أخبار النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمّة عليهمالسلام.
وما ليس بمتواتر على ضربين ، فضرب منه يوجب العلم أيضا ، وهو كلّ خبر تقترن إليه قرينة توجب العلم. وما يجري هذا المجرى يجب أيضا العمل به. وهو لاحق بالقسم الأوّل.
والقرائن أشياء كثيرة :
منها : أن تكون مطابقة لأدلّة العقل ومقتضاه.
ومنها : أن تكون مطابقة لظاهر القرآن ، إمّا لظاهره أو عمومه أو دليل خطابه أو فحواه. فكلّ هذه القرائن توجب العلم وتخرج الخبر عن حيّز الآحاد وتدخله في باب المعلوم.
ومنها : أن تكون مطابقة للسنّة المقطوع بها ، إمّا صريحا أو دليلا أو فحوى أو عموما.
ومنها : أن تكون مطابقة لما أجمع المسلمون عليه ، أو أجمعت عليه علماء الطائفة.
فإنّ جميع هذه القرائن تخرج الخبر من حيّز الآحاد وتدخله في باب المعلوم وتوجب العمل به. وأمّا القسم الآخر ، فهو كلّ خبر لا يكون متواترا ويتعرّى من كلّ واحد من هذه القرائن ، فإنّ ذلك خبر واحد ، ويجوز العمل به على شروط (ذكرها في الأصول وعمدتها : رواية الثقة الأمين).
فإذا كان الخبر لا يعارضه خبر آخر ، فإنّ ذلك يجب العمل به ، لأنّه من الباب الذي عليه الإجماع في النقل. إلّا أن تعرف فتاواهم بخلافه ، فيترك لأجلها العمل به.
__________________
(١) رسالته في إبطال العمل بأخبار الآحاد رقم ٤٨ (رسائل السيّد المرتضى ـ المجموعة الثالثة : ٣١٠ ـ ٣١١).