عن أفعال العباد ، أهي مخلوقة لله تعالى؟ فقال : لو كان خالقا لها لما تبرّأ منها. وقد قال سبحانه : (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ)(١) ولم يرد البراءة من خلق ذواتهم ، وإنّما تبرّأ من شركهم وقبائحهم».
[م / ٣٣١] وفي حديث أبي حنيفة مع الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر عليهالسلام حيث «سأله عن أفعال العباد ، ممّن هي؟ فأجابه الإمام ـ في وجه عقلي حاصر ـ : إنّها من العباد ، بدليل اختصاصهم بالمثوبة والعقاب» (٢).
والإنكار على الصدوق إنّما هو من جهة ابتناء عقيدته على خبر ضعيف الإسناد فضلا عن مخالفته للكتاب فيما بيّنه الإمام الهادي عليهالسلام : أنّ الشرك والقبائح لو كان فعله تعالى لما تبرّأ منه في صريح القرآن. مضافا إلى مخالفته لبرهان العقل في توجيه الملامة إلى فاعل القبيح محضا دون غيره على الإطلاق.
وأيضا فإنّ المفيد إنّما أنكر على الصدوق ضعف مقدرته على تمحيص الأخبار وتمييز السليم عن السقيم ، ومن ثمّ جاءته بليّة الاسترسال إلى أحاديث ضعاف.
قال ـ في مسألة الإرادة والمشيئة ـ : الذي ذكره الشيخ أبو جعفر رحمهالله في هذا الباب لا يتحصّل ، ومعانيه تختلف وتتناقض. والسّبب في ذلك أنّه عمل على ظواهر الأحاديث المختلفة ولم يكن ممّن يرى النّظر فيميّز بين الحقّ منها والباطل ، ويعمل على ما يوجب الحجّة. ومن عوّل في مذهبه على الأقاويل المختلفة وتقليد الرّواة كانت حاله في الضعف ما وصفناه (٣).
هذا في حين أنّ السيّد أبا المعالي المرتضى استثنى أبا جعفر الصدوق من جماعة القمّيين المسترسلين في نقل الحديث من غير هوادة. قال : والقمّيّون كلّهم من غير استثناء لأحد منهم إلّا أبا جعفر ابن بابويه رحمهالله ، بالأمس كانوا مشبّهة مجبّرة وكتبهم وتصانيفهم تشهد بذلك وتنطق به. قال : فليت شعري أيّ رواية تخلص وتسلم من أن يكون في أصلها وفرعها واقف أو غال ، أو قمّي مشبّه مجبّر ، والاختبار بيننا وبينهم التفتيش. ثمّ لو سلم خبر أحدهم من هذه الأمور ، ولم يكن راويه إلّا مقلّد بحت معتقد لمذهبه بغير حجّة ودليل. ومن كانت هذه صفته عند الشيعة ، جاهل بالله تعالى ، لا يجوز أن يكون عدلا ، ولا ممكن أن تقبل أخباره في الشريعة.
__________________
(١) التوبة ٩ : ٣.
(٢) تصحيح الاعتقاد : ٤٣ ـ ٤٤ (مصنفات المفيد ٥). والحديث رواه المشايخ في جلّ كتبهم. راجع : البحار ١٠ : ٢٤٧ / ١٦ والتعليقة رقم ٨.
(٣) تصحيح الاعتقاد : ٤٩.