ويعني بالمشابهة : المسانخة والتلاؤم والوفاق ، الأمر الذي لا يخصّ الوفاق الحرفي ، وإنّما هي الموافقة في صميم الكلام وفحواه العام ، كما عرفت.
فالمراد بالموافقة هي الموافقة الذاتيّة بين مضمون الحديث والأصول الإسلاميّة المستفادة من الكتاب والسنّة. ومن ثمّ كانت روايات الجبر والتفويض مرفوضة عندنا ، لمكان مخالفتها مع قاعدة «الأمر بين الأمرين» المستفادة من صميم الكتاب والسنّة.
الأمر الذي يعبّر عنه في علم «معرفة الحديث» بالنقد الداخلي للخبر ، أي مقارنة مضمونه مع الأصول العامّة والمباني الأولى للشريعة ، انسجاما مع روحها النابضة في جميع أشلائها.
وهذه هي الطريقة الحكيمة التي سلكها عميد الطائفة الشيخ أبو عبد الله المفيد ـ قدسسره ـ في معالجة روايات الجبر والتفويض. قال : وكتاب الله تعالى مقدّم على الأخبار والروايات ، وإليه يتقاضى في صحيح الأخبار وسقيمها ، فما قضى به فهو الحقّ دون ما سواه (١).
قال ذلك ردّا على أبي جعفر الصدوق فيما زعم أنّ أفعال العباد مخلوقة لله. وفسّر الخلق بالتقدير ، استنادا إلى رواية لم يتحقّقها. وكانت مخالفة للكتاب بشأن استطاعة العباد.
جاء في رسالة الاعتقادات : «اعتقادنا في أفعال العباد أنّها مخلوقة ، خلق تقدير لا خلق تكوين. ومعنى ذلك أنّه لم يزل الله عالما بمقاديرها» (٢).
قال أبو عبد الله المفيد : الصحيح عن آل محمّد ـ صلوات الله عليهم ـ أنّ أفعال العباد غير مخلوقة لله تعالى. والذي ذكره أبو جعفر رحمهالله قد جاء به حديث غير معمول به ولا مرضيّ الإسناد (٣) ، والأخبار الصحيحة بخلافه. وذكر من تلك الأخبار :
[م / ٣٣٠] ما روى عن أبي الحسن الثالث عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى الرضا عليهمالسلام أنّه «سئل
__________________
(١) رسالة تصحيح الاعتقاد : ٤٤ (مصنّفات المفيد ٥).
(٢) رسالة الاعتقادات : ٢٩ / ٤ (مصنّفات المفيد ٥) ؛ البحار ٥ : ١٩.
(٣) والحديث هو ما رواه الصدوق (سنة ٣٥٢) عن شيخه عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس العطّار النيسابوري ـ مجهول ـ عن عليّ ابن محمّد بن قتيبة النيسابوري ـ لم يوثّق ـ عن الفضل بن شاذان ، فيما سأل المأمون الإمام الرضا عليهالسلام أن يكتب له محض الإسلام على سبيل الإيجاز. فجاء فيما كتب : «وأنّ أفعال العباد مخلوقة لله تعالى ، خلق تقدير لا خلق تكوين ، والله خالق كلّ شيء. ولا نقول بالجبر والتفويض». (عيون أخبار الرضا ٢ : ١٣٢ / ١ ، باب ٣٥).
وروى أيضا بنفس الإسناد : عن ابن عبدوس عن ابن قتيبة عن حمدان بن سليمان النيسابوري عن عبد السّلام بن صالح أبي الصلت الهروي قال : سمعت أبا الحسن عليّ بن موسى الرضا عليهالسلام يقول : أفعال العباد مخلوقة. فقلت له : يا ابن رسول الله ، وما معنى «مخلوقة»؟ قال : مقدّرة. (معاني الأخبار : ٣٩٥ ـ ٣٩٦ / ٥٢ ، باب نوادر المعاني).