ظاهرة الدلالة ، أو حديث صريح صحيح الإسناد إلى السلف الصالح العارفين بمواضع القرآن الكريم أو شاهد نزول متين قويم ، وغير ذلك ممّا له دخل مباشر في فهم معاني القرآن وهي أصول وقواعد عرفت باسم : مباني التفسير وأصوله الذاتيّة (١).
ثانيا : استعراض روايات مأثورة عن السلف ، فبالدرجة الأولى : روايات مأثورة عن النبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم حيث توظيفه من قبل الله تعالى بتبيين القرآن وتفهيمه للناس ، ببيان ما أبهم وتفصيل ما أجمل ، وقد فعل صلىاللهعليهوآلهوسلم ما كلّفه الله وامتثل أوامره تعالى بكمال.
قال تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)(٢).
ولا بدّ أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم امتثل هذا الدستور القاطع ، وأبان من معاني القرآن وحلّ مشاكله بصورة شاملة ورفع الإبهام عن وجهها بشكل تامّ ، الأمر الذي نبّهنا عليه عند الكلام عن تفاسير الرسول وشمولها المستوعب ، في كتابنا «التفسير والمفسّرون».
وبعده يأتي دور الصحابة والتابعين وفي مقدّمتهم العترة الطاهرة ، الذين كانوا هم المراجع لفهم معاني القرآن بعد جدّهم الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم. ولدينا من ذا وذاك الوفير من صحاح أحاديث التفسير. وكانت رصيدنا الأوفى لدعم دلائل القرآن الذاتيّة الأولى.
ثالثا : تمحيص تلكم الروايات على أصول النقد النزيه ، بعرض ما تشابه منه على المحكمات المتلقّاة من الكتاب والسنّة القويمة ومع دعمها بحجج العقول ، كما في الحديث عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «إذا أتاكم عنّي حديث فاعرضوه على كتاب الله وحجّة عقولكم ، فإن وافقهما فاقبلوه وإلّا فاضربوا به عرض الجدار» (٣). وقد أوضحنا ـ فيما سبق ـ طريق العرض والاستخلاص. وبهذا النهج الرتيب نستصفي النقيّ من الرديّ من خضمّ الآثار ومزدحم الأخبار ، ولنجعلها سندا متّبعا للأخذ والاعتبار.
تلك كانت جلّ محاولاتنا سعيا وراء الحصول على اليقين المطمئنّ به من روايات التفسير ، رجاء أن يكون التوفيق حليفنا والحقّ رائدنا في طول المسير ، والله من وراء القصد ، وهو المستعان.
__________________
(١) ممّا نبّهنا عليه في حقل أصول التفسير من كتابنا التمهيد ، الجزء التاسع.
(٢) النحل ١٦ : ٤٤.
(٣) أبو الفتوح ٣ : ٣٩٢. وقد تقدّم.