قلت : احتمال كون «الرحمان» عبريّة أو سريانيّة ، جزاف من القول لا يقوله سوى تائه في خيال. أمّا الشعر الذي استند إليه هذا القائل فمحرّف في أصله ، قال صاحب التكملة : هكذا أنشده هذا القائل ، لكنّ فيه تغييرا من جهات : الأولى : أنّ في البيتين تقديما وتأخيرا. والثانية : أنّ «رخمان» بالخاء المعجمة ، موضع في ديار هذيل ، عنده قتل تأبّط شرّا ، فقالت أمّه أو أخته ترثيه :
نعم الفتى غادرتم برخمان |
|
من ثابت بن جابر بن سفيان |
يجدّل القرن ويروى النّدمان |
|
ذو مأقط يحمي وراء الإخوان (١) |
قال محمّد مرتضى الزبيدي : رخمان ، غار ببلاد هذيل ، رمي فيه تأبّط شرّا بعد قتله (٢). قال : وبه روي شعر جرير : ومسحكم صلبهم رخمان قربانا (٣).
قال صاحب التكملة : فإذن لا مدخل له في هذا التركيب (٤).
والثالثة : أنّ الرواية ـ على ما جاء في ديوانه بجمع الصاوي ـ :
هل تتركنّ إلى القسّين هجرتكم |
|
ومسحهم صلبهم رحمان قربانا |
لن تدركوا المجد أو تشروا عباءكم |
|
بالخزّ أو تجعلوا التنّوم ضمرانا (٥) |
فجاء الضبط «رحمان» ـ بضم الراء ـ على وزان غفران وكفران ، مصدرا.
وعلى أيّ تقدير ، فلو فرض : أنّه أراد الرّحمان ، اسما له تعالى ، فلا دليل على أنّها لفظة عبرانيّة أو سريانيّة ، لمجرّد أنّ المخاطب المهجوّ بها ـ وهو غياث بن غوث الأخطل التغلبي ـ كان نصرانيّا! لأنّه شاعر عربيّ مجيد ومقرّب لدى خلفاء بني اميّة وكان يجيد المدح والقريض وقرّبه عبد الملك إليه لحسن قريضه. وجاء في القصيدة الكثير من أسماء الله تعالى ومصطلحات إسلاميّة عربيّة عريقة ، ولا مساس لها بلغات الأجانب ؛ كلّ ذلك لأنّ المخاطب عربي صميم وإن كان على غير دين الإسلام. ويقال : إنّه أسلم على يد عبد الملك.
__________________
(١) معجم البلدان ٣ : ٣٨.
(٢) تاج العروس ٨ : ٣٠٨.
(٣) المصدر : ٣٠٩.
(٤) هامش تاج العروس ٨ : ٣٠٧.
(٥) ديوان جرير ـ تأليف محمّد إسماعيل عبد الله الصاوي. الكتاب الكامل (مكتبة محمّد حسين النوري ـ دمشق) و (الشركة اللبنانيّة للكتاب ـ بيروت).