ظهر الروح العقلي النوري ، فرجعوا من حيث جاؤوا.
[م / ٥٥] قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من كان مواصلا فليواصل حتّى السحر فذلك أوان (بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ) فكلّ عبد لم يحذر مكر الله فهو مخدوع». (١)
وهكذا يذهب في هواجسه ويخبط في تشويه آيات الذكر الحكيم من غير مبالاة. انظر كيف جعل القدح مدحا والذمّ ثناء وقلب ظهر المجنّ ، وهو يحسب أنّه يحسن صنعا.
وهكذا يرى من فرعون أنّه آمن عند الغرق فمضى طاهرا مطهّرا ليس فيه شيء من الخبث.
قال في الفصّ الموسوى : إنّ امرأة فرعون وكانت منطقة بالنطق الإلهي قالت لفرعون في حقّ موسى : إنّه (قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ)(٢) فقرّة عينها بالكمال ـ حيث تكلّم الحقّ بلسانها ـ وكان قرّة عين فرعون بالإيمان الذي أعطاه الله له عند الغرق ، فقبضه طاهرا مطهّرا ليس فيه شيء من الخبث. لأنّه قبضه عند إيمانه قبل أن يكتسب شيئا من الآثام ، والإسلام يجبّ ما قبله. وجعله آية على عنايته سبحانه بمن شاء حتّى لا ييأس أحد من رحمة الله. فلو كان فرعون ممّن ييأس ما بادر إلى الإيمان. فكان موسى عليهالسلام كما قالت امرأة فرعون فيه : (قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا) وكذلك وقع ، فإنّ الله نفعهما به (٣).
انظر كيف يجرأ على الله في تقوّله ويضادّ القرآن في صريح كلامه تعالى.
قال تعالى ـ مؤنّبا فرعون في إيمانه حينذاك ـ : (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)(٤).
وقد قال تعالى : (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً)(٥).
وهكذا وقع بشأن فرعون لم يقبل إيمانه ولم يزل يكابد العذاب الأليم عبر البرزخ حتّى يرد النار مع قومه في الآخرة.
(وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ. النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ
__________________
(١) انظر : الفتوحات المكيّة ١ : ١١٥ ـ ١١٧.
(٢) القصص ٢٨ : ٩.
(٣) الفصّ الموسوي من الفصوص : ٤٥٢ ـ ٤٥٣ بشرح القيصري. وله في الفتوحات ٢ : ٢٧٦ ، كلام أغرب وأفحش بشأن فرعون وأنّه كان مؤمنا في باطنه ، جبروتا في ظاهره. فلمّا يئس من كبريائه أظهر باطنه وأصبح من الفائزين.
(٤) يونس ١٠ : ٩١.
(٥) النساء ٤ : ١٨.